(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (١) إنما خلقنا الإنسان من طين لازب لاصق ، وهناك بعد بين الإنسان ككائن حي وبين التراب أو الطين ، ولا تستبعدوا البعث ولا تنكروه ، بل ـ إضراب انتقالي من أسلوب لأسلوب ـ عجبت أنت يا محمد من صنع الله وقدرته ، وامتلأ قلبك ـ وكذا قلب كل مؤمن ـ خشية من الله وهيبة من جلاله! وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من الآيات ، وقيل : المعنى : إنك عجبت يا محمد من إنكارهم للبعث والتوحيد مع ظهور الآيات ناطقة بهذا وهم يسخرون من الآيات ، وإذا ذكروا بآية ووعظوا بها لا يذكرون ، وإذا رأوا آية يستسخرون ، أى : يبالغون في السخرية ، ويقولون : إنه سحر وأمر عجيب خفى علينا سببه ، أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما بالية أنبعث؟! أو آباؤنا الأولون الذين ضاعوا في الأرض وغابت آثارهم فيها أيبعثون كذلك؟! قل لهم يا محمد : نعم ستبعثون أنتم وآباؤكم ، وأنتم صاغرون أذلاء ، وستأتون فرادى كما خلقكم ربكم أول مرة.
إذا كان الأمر كذلك فإنما هي ـ البعثة المفهومة من السياق العام ـ زجرة واحدة ، وهي النفخة الثانية ، فإذا الخلائق كلها مسلمها ومشركها طائعها وعاصيها قيام من مراقدهم أحياء يبصرون كما كانوا في الدنيا يشعرون بكل شيء ، وقالوا : يا ويلنا احضر فهذا أوانك! هذا يوم الدين!! هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ، وقد كانوا به يكذبون.
من مواقف المشركين يوم القيامة
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ
__________________
١ ـ سورة غافر آية ٥٧.