وتالله لقد نادانا نوح واستغاث بنا ، ودعا على قومه بالهلاك حيث قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) وذلك بعد كثرة دعائه لهم إلى الإيمان فلم يزدهم إلا فرارا ، فأجابه إلى طلبه أحسن الإجابة فو الله لنعم المجيبون نحن ونجيناه وأهله الذين آمنوا من الغم والكرب العظيم ، والمراد نجيناهم من الغرق (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) وجعلنا ذريته هم الباقين الناجين ، وتركنا عليه في الأمم التي جاءت بعده الثناء الحسن وهو (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) أى تركنا عليه هذا الكلام بعينه ، والمراد أبقينا له دعاء الناس له أمة بعد أمة.
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وهذا تعليل لما ذكر من أنه من استحق الثناء والدعاء له من الأمم كلها ، بكونه ـ عليهالسلام ـ من زمرة المعروفين بالإحسان ، وإحسان نوح مجاهدته أعداء الله ـ تعالى ـ بالدعوة إلى دينه والصبر الطويل على الأذى في سبيل الله.
(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) وهذا تعليل لكونه ـ عليهالسلام ـ من المحسنين بوصفه بخالص الإيمان وكمال العبودية ، ونجيناه وأهله ، ثم أغرقنا الآخرين المغايرين لنوح ـ عليهالسلام ـ في الإيمان فاعتبروا بذلك يا أولى الأبصار (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
من قصة إبراهيم عليهالسلام
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ