الرياح ، وتوقع الراكبون سوء المصير ، فاضطرب القوم ، واشتوروا فيما يصنعون ، ثم اتفقوا على الاقتراع فيلقون بمن تقع عليه القرعة ، فساهم الجميع ، ووقع السهم على يونس ، فعز عليهم إلقاؤه في البحر ، تكريما لشأنه وعرفانا لفضله ، فعادوا للمساهمة مرة ثانية وثالثة فيقع السهم على يونس وحده وأنه سيكون من نصيب البحر حتى تخف السفينة براكبيها فتسير.
ولما تحقق يونس من هذا أنه اقترف شيئا يغضب الله لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وأدراك أن تركه قومه ، وعدم صبره على أذاهم ، وخروجه بلا إذن عمل ما كان ينبغي أن يكون فألقى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، وهو مليم نفسه على ما فرط منها.
وأوحى الله إلى الحوت أن يبتلعه وظل في جوفه في ظلمات ثلاث ، ولقد امتدت يد العناية الإلهية به فكان محفوظا ينادى الله ويدعوه ، ويسبحه ويرجوه (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنبياء آية ٨٧] ، فاستجاب الله دعاءه وأوحى إلى الحوت فألقاه على الساحل ، وتلقته العناية وأنبتت عليه شجرة من يقطين ، قيل : هي الدباء ، أى : القرع.
ثم أرسله ربك إلى مائة ألف أو يزيدون وهم أهل نينوى على الصحيح ، فآمنوا به وصدقوا برسالته ، وتركوا عبادة الأصنام فمتعهم ربك إلى حين معلوم وأجل محدود هو مدة بقائهم في الدنيا ، أو مدة إيمانهم والتجائهم إلى الله في كل أمورهم.
وهكذا كل أمة آمنت بربها فنفعها إيمانها (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [سورة هود آية ٣].
نقاش المشركين في عقائدهم
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ