٣ ـ إذا آتاه الله رحمة من بعد ضراء مسته في صحته أو ماله ، نسى ما كان عليه أولا لأنه إنسان كثير النسيان ، واغتر بما أوتى ، وقال : إنما أوتيت هذا على علم عندي ، فهو لي ، وأنا له ، وهكذا الماديون الذين يؤمنون بالأسباب المادية فقط دون الإيمان بمسببها جل شأنه ، وهذا هو الغرور بعينه ، يغتر صاحبه في الدنيا حتى يقول : ما أظن الساعة قائمة ، ولو فرض ورددت إلى ربي ، وكان هناك حساب وبعث ، إن لي عند ربي للجنة والسعة لأنه أعطانى في الدنيا وأكرمنى فيعطيني في الآخرة مثلها (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) أى : من الجنة التي أوتيتها في الدنيا (مُنْقَلَباً) هذا داء الغرور قد استشرى في الناس ، ولا يمنعه إلا سلاح الدين وحرارة الإيمان ، ولذا يقول الله : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا ، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) فإنه لا يقول بهذا ، ولا يعمل بمقتضاه إلا كل كافر أثيم أو من هو مثله.
٤ ـ وإذا أنعمنا على الإنسان بنعمنا التي لا تحصى ولا تعد أعرض عن الشكر ، ونأى بجانبه ، وذهب بنفسه وتباعد عن الله الذي أعطاه تلك النعم وتباعد عن شكر الله بكليته تكبرا وطغيانا.
٥ ـ وإذا مسه الشر أو حلت به مصيبة فهو ذو دعاء عريض ، فهو إن مسه ضر أو فقر أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع ، وإن مسه خير أعرض عن شكر الله ، فهذا هو الإنسان على حقيقته دائم التبدل والتغير لا يستقر على حال أبدا ، فهو في الدنيا مشرك متعصب وفي الآخرة ينكر الأصنام وعبادتها ويتبرأ منها ، وهو إن أصابه ضر دعا ، وإن أصابه خير بغى ، فيا ويلك يا إنسان إن لم يدركك الرحمن بلطفه.