فإن أعرضوا يا رسول الله فدعهم ، فما أرسلناك عليهم حفيظا تحفظهم من الوقوع في الأخطار ، وتقيهم أعمال السوء إنما أنت نذير ، وهاد إلى سواء السبيل ، ما عليك إلا البلاغ فقط ، وعلينا الحساب (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ* إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ* فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ* إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ). [الغاشية ٢١ ـ ٢٦]
ثم إن الله ـ تعالى ـ بين أن السبب في كفر هؤلاء وعنادهم يرجع إلى انغماسهم في المادة ، وغرورهم الباطل بها ، وتكبرهم عن الحق لأنهم أولو قوة وبأس ، ومال وأولاد فقال : ولو أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها واغتر وتكبر ، وإن تصبه سيئة بما قدمته يداه فإنك تراه كفورا جحودا نعم ربه ، وتراه نسى ما كان عنده من نعمة وفضل ، والكافر الذي لا يؤمن بالله وبصفاته القدسية هو كذلك ، أما المؤمن بالله حقا فإن أعطى شكر الله وازداد خضوعا وإيمانا ، وإن حرم شيئا صبر وآمن بقضاء الله وقدره ، وأن لله ملك السموات والأرض يتصرف فيهما كيف شاء.
لله وحده ملك السموات والأرض ، وهو صاحب التصريف في هذا الكون يخلق ما يشاء ، ويعطى ويمنع من يشاء ، ويهب لمن يشاء أولادا إناثا ، ويهب لمن يشاء أولادا ذكورا ، ويعطى لمن يشاء ذكورا وإناثا فيزاوج بينهما ، ويجعل من يشاء عقيما فلا يعطيه ولدا بالمرة ، إنه عليم بخلقه قدير على كل شيء. وليست هناك قوة في الأرض تستطيع فعل غير هذا.
وإذا كان الله هو المعطى والمانع أيليق بك أيها الإنسان أن تدعى ادعاء كاذبا أنك أعطيت هذا على علم من عندك؟ أيليق بك أن تجعل الكفر بدل الشكر والغرور والكبر والغطرسة بدل الخضوع والعبادة والتقديس لله واجب الوجود المبدئ والمعيد؟!
كيفية اتصال الله برسله
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)