الناس في الآخرة فريقان : فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، فريق وجوهه ناضرة بالنعيم جميلة بإكرام الله له ، وهي إلى ربها ناظرة ؛ وفريق آخر وجوهه يومئذ كالحة منقبضة عابسة باسرة ، تظن لسوء فعلها في الدنيا ـ بل تتحقق ـ أنه لا بد أن ينزل بها مصيبة فادحة مصيبة عظمى تقصم الظهر ، وتبيد فقاره.
بقي شيء ، وقع فيه خلاف كبير بين العلماء قديما ، هو : هل نرى ربنا يوم القيامة أو لا؟ الجمهور على إثبات الرؤية مستدلا بقوله هنا : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وبالأحاديث عن رسول الله : وبعض الفرق تمنع الرؤية بالنظر إذ البصر يحد الله وذاته ، وهو لا تدركه الأبصار ، على أنه يلزم معها الانحصار في زمن وجهة ، والله محال عليه ذلك ، والآية هنا تؤول بأن الوجوه تنتظر من الله النعم والفضل والرضوان ، على أن الخطب سهل فأمور الآخرة أمور غيبية لا نقيسها على الحاضر عندنا بل نؤمن بها ، والله أعلم بها.
الإنسان عند موته وعند بدء خلقه
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)