وقال بعضهم ليلة ثلاث ، وقال بعضهم ليلة خمس ، وقال بعضهم ليلة سبع ، فقالوا وأنا ساكت ، فقال : ما لك لا تكلم؟ فقلت إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى يتكلموا ، فقال : ما أرسلت إليك إلا لتكلم ، فقلت : إني سمعت يذكر السبع فذكر سبع سماوات ومن الأرض مثلهن وخلق الإنسان من سبع ونبت الأرض سبع. فقال عمر رضي الله عنه : هذا أخبرتني ما أعلم ، أرأيت ما لم أعلم قولك نبت الأرض سبع؟ قال قال عزوجل (ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ، فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا ، وَعِنَباً وَقَضْباً ، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ، وَحَدائِقَ غُلْباً) قال فالحدائق الغلب الحيطان من النخل والشجر. وفاكهة وأبا؟ قال فالأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام ولا يأكله الناس. قال فقال عمر رضي الله عنه لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه؟! والله إني لأرى القول كما قلت) انتهى.
فهذا الحديث يدل على أن الفتوى بتحريم التكلف وتفسير ألفاظ القرآن مختصة بالذين يتكلمون فيه رجما بالغيب ، وأن ضربه لهم بالدرة كان بسبب ذلك ، ولكنه في نفس الوقت أرسل الى ابن عباس وأحضره وسأله عن تفسيرها وقبله منه ووبخ أصحابه الذين لم يعرف أحد منهم معنى وأبا!! فيكون المأخذ على الخليفة في أسلوبه ، وأنه كان الأولى أن يقول أنا وأنتم لا نعرف معنى وأبا ، فينبغي أن نسأل من يعرف ، ولا يحتاج الأمر الى النهي عن التكلف ولا الى .. الغضب والضرب بالدرة! على أن ابن عباس إذا صحت عنه الرواية تكلّف أيضا ، وأفتى استحسانا بدون دليل!
نهي الخليفة عن السؤال عما لم يكن!
روى الدارمي في سننه ج ١ ص ٥٠ (عن عمرو عن طاوس قال قال عمر على المنبر : أحرج بالله على رجل سأل عما لم يكن ، فإن الله قد بين ما هو كائن) انتهى ، وبمقتضى فتوى الخليفة يجب أن يصبر الحاكم والقضاة والناس حتى تقع الحوادث فيسألون أو يبحثون عن حكمها ، ولا يجوز افتراض حادثة لم تقع وبحث حكمها الشرعي!!