أقرأني بعدها آيتين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) الى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ثم قال هذا آخر ما أنزل من القرآن ، قال فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تبارك وتعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) انتهى.
هذه الرواية طبيعية ومنسجمة مع ما ثبت من وجود نسخ القرآن من عهد النبي صلىاللهعليهوآله وتوفرها عند كثيرين .. ومنسجمة مع اعتراف المسلمين بحفظ أبي بن كعب للقرآن وخبرته بنصه .. فالمسألة لا تحتاج الى أكثر من كاتب وممل موثوق ، ومع وجود أبي بن كعب فلا حاجة لأمثال زيد بن ثابت ولا دور له في الإملاء.
كذلك هي منسجمة مع حاجة المسلمين في المناطق المختلفة لنسخ القرآن وقيام الصحابة في المدينة بدل الدولة بكتابة نسخ عديدة وإرسالها إليهم ، وإن لم تعتمد الدولة نسخة رسمية منها!
ثم بقدرة قادر ولدت المشكلة وطرح عمر وأبو بكر مشروعا لحلها
يقول زيد بن ثابت : ولدت المشكلة من اللامشكلة ، وضاعت نسخ المصحف كلها .. وغاب أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم من الحفاظ المشهود لهم .. ولم يبق إلا زيد بن ثابت ومكتوبات القرآن المشتتة ، ومحفوظاته الموزعة .. فنهض زيد بعد تردد وخوف من الله تعالى ، وبعد تكليف رسمي والتماس متكرر من الخليفتين أبي بكر وعمر .. وتحمل زيد صعوبات جمة وبذل جهودا كبيرة متنوعة .. حتى أكمل جمع القرآن في سنتين وأكثر والحمد لله! ولكن نسخته لم تر النور!!
روى البخاري في صحيحه ج ٥ ص ٢١٠ عن زيد :
(... أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال : أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر قلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟