ولكنه صار عذرا مقبولا عند علماء إخواننا لمجرد أنه عذر صدر عن الخليفة عمر! وهكذا يبحث الناس عن وجه معقول للكلام غير المعقول ، بسبب أنه صدر عن عن شخصية مقدسة عندهم ، والويل لغيره إذا صدر منه نفس الكلام!
يقول الباحث المصري الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية ص ٥٠ عن هذا العذر :
(... وهو سبب لا يقتنع به عاقل عالم ... اللهم إلا إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه ـ وهذا ما لا يقره أحد حتى الذين جاءوا بهذا الرأي ، إذ معناه إبطال معجزة القرآن وهدم أصولها من القواعد ... وبين الحديث والقرآن ولا ريب فروق كثيرة يعرفها كل من له بصر بالبلاغة وذوق في البيان ... على أن هذا السبب الذي يتشبثون به قد زال بعد أن كتب القرآن في عهد أبي بكر على ما رووه ، وبعد أن نسخ في عهد عثمان ووزعت منه نسخ على الأمصار وأصبح من العسير بل من المستحيل أن يزيدوا على القرآن حرفا واحدا ...) انتهى.
هل كان أبو بكر وعمر مضطرين الى هذا القرار؟
ما هو السر الذي جعل الخليفة أبا بكر وعمر يصران على هذا القرار الصعب .. قرار منع التحديث عن النبي وتدوين سنته؟!
فالأمة تقدس نبيها وترى أن أقواله وأفعاله حجة كالقرآن ، وهي تريد من الصحابة الذين عاشوا معه كل شىء عن نبيها .. فهل يمكن لقرار من السلطة أن يكم أفواه الصحابة ويجعلهم يكتفون بقراءة القرآن للأمة فقط ، ولا ينبسوا ببنت شفة عن نبيهم ، حتى في تفسير ما يقرءون لهم من القرآن!!
لا بد أنهما فكرا فيما سيحدث .. وأن ذلك سوف يعرضهما لانتقاد الصحابة الجريئين .. وستكون النتيجة عدم تقيد الجميع بقرار المنع ، فيبقى التحديث ويبقى التدوين .. وبالفعل حدث شىء كثير من ذلك!
لا بد أنهما كانا مدركين لهذه الأبعاد وغيرها .. لكنهما مع ذلك مقتنعان بأن يتحملا نتائج قرار المنع ، لأنه أهون من تحمل السماح برواية السنة وتدوينها!