قوله تعالى
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة : ١٧٢]
دلت هذه الآية على أحكام :
الأول : أن الأصل في المأكولات الإباحة ، إلا ما قام عليه دليل الحظر ، وقد اختلف الأصوليين في الأشياء المنتفع بها ، قبل ورود الشرع بم يحكم العقل فيها في غير الأشياء الضرورية ، فأما هي : فالحكم الإباحة ، كالتنفس في الهواء ، لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق ، وأما غير الضرورية فقال في المحصول (١) : ذهبت البصرية من المعتزلة ، وبعض الشافعية ، والحنفية إلى إباحة المنتفع به كأكل الفاكهة ونحوه. قال أبو الحسين : لأن ذلك منفعة خالية عن أمارة المفسدة ، لا مضرة فيه على المالك ، فوجب القطع بحسنه ، لأنه يحسن منا الاستظلال بحائط غيرنا ، والنظر في مرآته ، والتقاط ما تناثر من حب غلاته بغير أذنه إذا خلا عن أمارات المفسدة. قالوا : ولأن الله تعالى خلق الطعوم في الأجسام مع إمكان أن لا يخلقها ، ولا بد أن يكون ذلك لحكمة وغرض ، والغرض لا بد أن يرجع إلى الغير ، ولا يكون إلا نفعا واستدل الأستاذ من أصحاب الشافعي أنه إذا ملك جواد بحرا لا ينزف (٢) ، وأحب مملوكه تناول قطرة ، فإنه لا يدرك تحريمه فكذلك الله تعالى الجواد لذاته (٣) المالك للأشياء.
وقالت البغدادية من المعتزلة ، وطائفة من الامامية ، وابن أبي هريرة :
__________________
(١) للرازي.
(٢) بكسر الزاي ، من باب ضرب يضرب (شمس العلوم ، والمصباح). (ح / ص).
(٣) عندهم أنه جواد لذاته ، فأما عندنا فهي صفة فعل ، والجواد : فاعل الجود (ح / ص).