وأما الشرط في الآية ، وهو قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فإنما ذكره لصحة الشكر ، فهو شرط للأداء ، كالطهارة في الصلاة ، وقيل : قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أي : إن كنتم مخلصين له العبادة (١).
الحكم الثالث : ذكره الحاكم : أن ذلك يدل على تحريم الخبيث ، كأنه تعالى قال : كلوا من الطيب دون الخبيث ، فيحرم ما يستخبثه العرب ، وقد صرح بذلك في قوله تعالى في سورة الأعراف : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف : ١٥٧] فعلى هذا يحرم الطعام إذا وقع فيه ما لا دم له فأنتن ، وتحرم الخنافس والجعلان ، ونحو ذلك مما يستخبث ، وسيأتي زيادة على هذا إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٧٣]
هذه الآية الكريمة قد صرحت بتحريم ما ذكر ، وثم محرمات غيرها ، فما فائدة الحصر؟ لأن لفظة : «إنما» واردة للحصر ، وجواب هذا : أنها واردة هنا للتأكيد ؛ لأنها قد ترد للتأكيد والمبالغة ، كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] والإجماع أن من لم يكن كذلك ، لا يخرج من الإيمان ، وقد حكى أبو علي الفارسي عن النحاة : أنها للحصر ، وصوبهم ، واحتج بقول الأعشى.
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنما العزة للكاثر |
__________________
(١) وفي الكشاف (إن صحّ أنكم تخصونه بالعبادة. وتقرّون أنه مولى النعم. وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «يقول الله تعالى : إني والجنّ والإنس في نبأ عظيم ، أخلق ، ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري».