حقا بعد الأعلى ، لكن لأهل الفقه كلام في هذه المسألة تقتضيه الأدلة ، وهو أن أصل النهر لم يشتركوا فيه على أمر واحد بأن يحيوه معا إذا اقتسموه ، وأن الأعلى له ما تعتاد الأرض من الري ، وأن الأسفل يثبت حقه في الفضلة.
إن قلنا : إن الماء حق لا ملك ؛ إذ لو كان ملكا فللأعلى أن يصرفه عنه ، وإن استغنى ، وهذه مسألة خلاف بين الفقهاء ، وقيل : يثبت حق الأسفل إن أحيا بإذن صاحب الأعلى ، وفيها زيادات في كتب الفقه.
قوله تعالى
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦]
قيل : نزلت في المنافقين الذين تقدم ذكرهم ، وأراد حقيقة القتل والحروج من الديار لو كتب عليهم ذلك ما فعلوه ، وقيل : أراد التعرض للقتل بالجهاد وأراد الهجرة بالخروج من الديار لو أمر المنافقون كما أمر المؤمنون ما فعلوه ، وقيل : نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس وأصحابه أي : لو كتب على المسلمين ذلك (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) وهم هؤلاء النفر ، وقد استخرج أبو مضر أن التوعد بالإخراج من الوطن يبيح ما يبيحه القتل من كونه تعالى قرن الإخراج من الديار بالقتل ، والمأخذ من هذا محتمل ؛ لأن صريح اللفظ لا يقتضيه بوضعه ولا بفحواه وإشارته ولا بمعناه ومعقوله.
ووجه ثان : أن هذا لا يستقيم في الإكراه على المحظور لأنه يجب عليه الهجرة إذا حمل على فعل محظور أو ترك واجب (١) ، وقد قال المؤيد بالله : من أكره على تسليم الوديعة ظلما لم يبال بماله وحاله.
__________________
(١) بالإجماع ، بخلاف الوعيد بالقتل ، أو قطع العضو فيجوز له ترك كل واجب ، وفعل كل محظور إلا الزنا ، وإيلام الآدمي ، وسبه. والله أعلم.