داود لأن المعنى المعقول من السفر ما يلحق معه المشقة غالبا ، وذلك لا يحصل في القليل ، ولما روى أنس أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان لا يقصر إذا سافر إلى قباء.
واختلف عامة العلماء من الصحابة ، والأئمة ، والفقهاء في مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة على أقوال :
الأول : قول القاسم ، والهادي ، وأحمد بن عيسى ، وهو رواية عن الباقر والصادق ، وإليه ذهب المنصور بالله : إن ذلك بريد ؛ لأنه يطلق عليه اسم السفر الذي يلحق معها المشقة غالبا ، وذلك هو المعقول من المعنى في السفر ، ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تسافر المرأة بريدا إلا ومعها زوج أو ذو محرم» فعلق الحكم ببريد ، وإذا ثبت ذلك في سفر المرأة تعلق بالقصر والإفطار ، إذ لا أحد يفصل بينهما ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقصر في خروجه من مكة إلى عرفات ، وذلك أربعة فراسخ ، لكن يقال : إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان سفره من المدينة ، ولهذا قصر في مكة (١).
__________________
(١) لا يرد هذا الإشكال الذي أورده المصنف رحمهالله ، لأن جميع من معه في عرفات قصروا الصلاة ، ومعلوم أن بعضهم من أهل مكة ، ولم يقل لهم صلىاللهعليهوآلهوسلم (أتموا) كما كان يقول في مكة (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر) فدل هذا على أن مسافة القصر هي من مكة إلى عرفات ، وهي تقارب الثمانية عشر كيلو مترا. ويدل على هذا ما ذكره أبو داود في سننه فقال : باب القصر لأهل مكة ، حدثنا النفيلي ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : حدثني حارثة بن وهب الخزاعي ، وكانت أمه تحت عمر ، فولدت له عبد الله بن عمر ، قال : صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا ، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع ، قال أبو داود : حارثة من خزاعة ، ودارهم بمكة ، حارثة بن وهب ، أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه. وقد أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه ، ولفظه في مسلم حدثنا يحي بن يحي ، وقتيبة بن سعيد ، قال يحي : أخبرنا إسحاق عن حارثة بن وهب ، قال : صليت مع رسول الله بمنى .. وأكثر ركعتين) (ح / ص).