فيه وأنشئوا لهم مدارس به قبل الإسلام ، وكانوا يدرسون فيها فلسفة اليونان وحكمة الفرس ، وكان فى العراق قبل الإسلام مذاهب نصرانية تتجادل فى العقائد ، وكان العراق بعد الإسلام مزيجا من أجناس مختلفة ، وكان فيه اضطراب وفتن. وفيه آراء تتضارب فى السياسة وأصول العقائد ، ففيه الشيعة ، وفى باديته الخوارج ، وفيه المعتزلة ، وفيه تابعون مجتهدون حملوا علم من لقوا من الصحابة ، فكان فيه علم الدين سائغا مورودا ، وفيه النحل المتنازعة والآراء المتضاربة (٥٩) وقد أقام فى البصرة ، وكان أصحاب الخصومات والجدل أكثرهم بالبصرة وكان مقاتل معاصرا لأبى حنيفة النعمان رضى الله عنه. قال أبو حنيفة «دخلت البصرة نيفا وعشرين مرة منها ، أقيم سنة ، وأقل وأكثر ، وكنت نازعت طبقات الخوارج من الاباضية والصفرية وغيرهم ، وكنت أعد الكلام أفضل العلوم ..» وقد ذم أبو حنيفة مقاتلا لغلوه فى التشبيه والتجسيم ، فقال : «أتانا من المشرق رأيان خبيثان : جهم معطل ، ومقاتل مشبه (٦٠)».
وكانت البصرة من أهم مراكز العراق فى العهد الأموى والعباسي ، وكان التنافس شديدا بينهما وبين الكوفة.
يفخر أبناء كل مصر منهما بمفاخره ، ويعدد مثالب المصر الآخر.
فخر الكوفيون على البصريين بأنهم ناصروا على بن أبى طالب يوم الجمل ، وكان معه من الكوفيين تسعة آلاف رجل ، كما افتخروا بمسجدهم العظيم ، ومجاورتهم للفرات.
وفخر البصريون بعظمائهم كالأحنف بن قيس ، وقتيبة بن مسلم ، وفخروا بأنس ابن مالك خادم رسول الله ، وبالحسن البصري سيد التابعين ، وبابن سيرين.
كما فخر البصريون بأنهم «أكثر أموالا وأولادا ، وأطوع للسلطان ، وأعرف برسول الإسلام (٦١)».
وقد تميز كل مصر بميزة من الميزات فى عصر مقاتل ، فتميزت البصرة بالجدل وعلم الكلام ، وبالمناظرات والقصص. وقد ظهر فى البصرة كثير من الفرق ، وأهم فرق المعتزلة كانت بالبصرة.
قال الأستاذ أحمد أمين : «ومدرسة المعتزلة تنقسم إلى فرعين كبيرين : فرع البصرة وفرع بغداد. وفرع البصرة أسبق فى الوجود ، وله الفضل الأكبر فى تأسيس المذهب ، وأكثر استقلالا فى رأيه» (٦٢) وإليك بيانا مجملا لأشهر رجال المعتزلة فى البصرة :
__________________
(٥٩) محمد أبو زهرة ، أبو حنيفة : ١٨.
(٦٠) تهذيب التهذيب : ١٠ / ٢٨١.
(٦١) أحمد أمين ، ضحى الإسلام : ٢ / ٨٠.
(٦٢) ضحى الإسلام : ٣ / ٩٦.