وهذا يسأل عن كذا وجوابه كذا ، فيأتي بأحسن الجواب ، فكتبت له وأنا صغير : ما الحكمة في أن الله تعالى قال مخبرا عن إبليس (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ولم يقل : من فوقهم ولا من تحتهم؟ ، فلما بلغ إليها ، قال : يا حبيبي هكذا قد مكنه الله تعالى من أربع جهات تكون تسعمائة وتسعين إلى النار وواحدة إلى الجنة ، فكيف لو جاء من الجهات كلها ما رأى أحد الجنة أبدا ، ولكن إذا غشي من الجهات الأربعة غشيت الرحمة من فوقنا وثبتتنا السكينة من أقدامنا فنجونا ، فعجبت من قوله : يا حبيبي إذ نادى مناداة الصبيان وهذا يسمونه الكلام على الخواطر.
قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً).
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إن كانت الذءامة والدحور أخص من الصغار فهو تأسيس ، وإلا فالجواب بأن قوله ب (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) مطلق يقتضي اتصافه بذلك وقياما.
قوله تعالى : (مَذْؤُماً مَدْحُوراً).
فإذا اتصافه بذلك في الحال ، و (مَذْؤُماً) راجع لأمر حسي ، (مَدْحُوراً) لأمر معنوي.
قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).
معارض بقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " إنها تمتلىء حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط ويزوي بعضها إلى بعض".
أخرجه مسلم ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأجيب بأن القاضي عياض ، قال : حكوا فيها تأويلات :
أحدها : أن القدم عبارة عن السابق المتقدم حتى يضع فيها من قدم من أهل العذاب ، قال تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سورة يونس : ٢] ، وقيل : القدم عبارة عن طائفة يخلقهم الله في الآخرة لها يسميهم قدما فلا تملأ إلا بهم ، وقيل : المراد بالجبار السلطان أو أحد الجبابرة المتقدمين ، وعلى رواية رجله يحتمل أن يريد الجماعة ، يقال : رجل من جراد أي مثل جماعة منه ، ويحتمل أن يريد بقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَ) كثرة الداخلين لا ملأها حقيقة.
قوله تعالى : (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما).