قال ابن عرفة : واستدل الأصوليون بهذه الآية على أن الإجماع حجة.
قوله تعالى : (فَذُوقُوهُ).
إذا كان هذا ذواقا فما بالك بما فوقه من العذاب ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ).
قوله تعالى : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ).
ولم يقل : أدباركم إشارة إلى أن الإنسان كلف بفعل نفسه وبفعل غيره فهو أبلغ ؛ لأنه إذا ولى هو دبره كان ذلك سببا لتولي غيره ، فصح نفيه عن فعل غيره بهذا المعنى ، فينبغي له إذا رأى غيره ولى دبره أن لا يولى هو بل يقف ويقاتل ويناضل عمن ولى دبره ليرجع ويقاتل ، فما حكاه ابن عطية هنا لا يناسب ، وغزوة القادسية وغزوة مؤتة إنما ولوا فيها لقلة الناس حينئذ ، ولم يكن لهم قدرة على المقاتلة فلهم عذر حينئذ ، وإذا ولى أحد متحيزا إلى فئة مقاتلة لا شيء عليه ، وإن ولى إلى فئة واقفة غير مقاتلة فهو مأئوم.
قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
قال ابن عرفة. : عادتهم يقولون لأي شيء لم يقل فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم ولكن الله قتلهم ، كما قال (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) قال : والجواب أنه إنما خصص الثاني تشريفا للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في إسناد الرمي إليه ، وأما القتل هنا فهو مستتر لغيره ، قال : ونظير إسناد الفعل لغير الله تعالى أن القاضي إذا رأى رجلا قتل آخر بأن استحضر مقام التوحيد لم يوجب عليه قصاصا ؛ لأن الأشياء كلها بخلق الله وقدرته ، وإن استحضر مقام التكليف واعتبر الأسباب العادية أوجب عليه القصاص أو الدية ، قال : ومعنى الآية وما رميت الرمي المؤثر إذ رميت الرمي العادي ولكن الله رمى الرمي المؤثر ، وإن لم يفهم كذلك لزم التناقض لتوارد النفي والإثبات على شيء واحد في حالة واحدة.
قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ).
ابن عرفة : الصواب في الآية أنها خطاب للكافرين.
قال الزمخشري : على سبيل التهكم بهم ، أي إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم ما طلبتم ؛ لأنهم دعوا الله ؛ فقالوا : إن كان محمد على الحق فانصره وإن كنا على حق فانصرنا.