قال : ما وجه الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [سورة المائدة : ١٠٠] فإن هذه الآية تقتضي أن الخبيث أكثر من الطيب لأن الأقل مخرج من الأكثر والأخرى بالعكس.
فالجواب أن تلك شرطية على سبيل الفرض والتقدير ، فلا يلزم منها الوقوع وهذه جملة ، ويؤخذ من الآية في باب التعديل والتجريح فيمن حملت حاله أنه محمول على العدالة خلاف مذهب مالك.
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ).
قال الزمخشري : الحربي إذا أسلم لم يبق عليه تباعة ، وأما الذمي فلا يلزمه قضاء حقوق الله تعالى وتبقى عليه حقوق الآدميين.
قال ابن عرفة : هذا مذهب أبي حنيفة ؛ لأن الزمخشري حنفي المذهب.
وقال ابن العربي : إن الحربي إذا أسلم حفظت عنه الحقوق كلها إلا حد القذف ، قال أشهب : وحد السرقة ، قال ابن عرفة : وهذا غير صحيح والذي في المدونة أنه يسقط عنه الحدود كلها وهي مشكلة في المدونة ؛ لأنه قال : سقط عنه حد القذف كما لا يطالب بالقتل ، وتقدمنا مفارقتها للقتل بأنه إذا قذف وقتل فإنه يحد للقذف ثم يقتل فلم يجعل القتل مستلزما حد القذف ، وتقدم الجواب بأنه إنما سقط عنه حد القذف وحد القتل يقتضي الآية ؛ لأن سقوط القتل يستلزم سقوط ما دونه من باب أحرى ؛ ولأن حصوله يستلزم حصول غيره.
قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ).
ابن عرفة : يؤخذ منها من لوازم العلم العمل ؛ لأنه المقصود في الآية لأنه إذا انتفى الملزوم فليس المراد علم ذلك على العلم به ، فلو لا أن العلم بالشيء يستلزم العمل به لما صح الاكتفاء به عنه ، ويلزم من عدم العمل به عدم العلم به ، ويلزم من نفي اللازم نفي الملزوم ، وهل المراد العلم حقيقة أو المراد اعتقاد ذلك علما أو ظنا؟ قال : إما بالنسبة إلى الصحابة فهو علم حقيقة ، وإما بالنسبة إلى من بعدهم فتقرر الخلاف في دلالة القرآن هل هي قطعية أو ظنية ، والظاهر أنه علم حقيقة لما تقرر من أن أهل أصول الدين يحتجون بآية القرآن في المطالب العلمية ، فلو لا أنه يفيد العلم لما صح احتجاجهم بذلك ، والغنيمة ما أخذ بمجادلة وتكتسب من غير بيع ولا شراء ، وقيل : ما أوجف عليه بالخيل والركاب ، والعطف في الآية تدل ، وقوله : [٣٦ / ١٧٩] (ما