الفريقين في عين صاحبه دون الآخر موجب لهروب الفريق القليل من الكثير فلا يقع الاجتماع للحرب بوجه ، وإنما جاء التناقض من جعل القليل موجب للغلبة ؛ بل هو موجب للاجتماع الموجب للغلبة ، قال : وعبر في الأول بالاسم وهو قوله تعالى : (فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) وقال في الثاني (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) فعبر عن تقليل المسلمين بالفعل ، ولنا إشارة أن تقليل ... (١) مستمر ثابت ليدوموا على القتال ، ولا يدركهم هلع ولا قتل ، وتقليل المسلمين في أعين الكفار وإنما يوفى أول الأمر ؛ فإذا انتقى الصفات ونشأ الحرب لكنهم يرونهم حينئذ كثيرين لينهزموا ويدركهم الرعب والخوف.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
قال ابن عرفة : الذكر مأمور به مطلقا ، وهذا المحل مخصوص بكثرته ؛ لقوله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأن الطاعة مأمور بها مطلقا ، ولا يؤخذ من الآية أن الأمر لا يقتضي التكرار ، ولما احتيج إلى قوله (كَثِيراً) لأن الكثرة أخص من مطلق التكرار.
قوله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
قال ابن عرفة : جعل التنازع سبب في القتل ، وقال قبلها : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) وتقدم الجواب بأن القتل أمر نفي جلي طبيعي وهو الخبر ، والتنازع أمر فعلي ظاهر وهو المقابلة ؛ فالفشل سبب في التنازع هنالك وأصابنا فالفشل ناشىء عن التنازع ، وأنهم إما تنازعوا أو اختلفوا يقع الانهزام من طائفة منهم فيقع الفشل بالأخرى بقتلها.
قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ).
ابن عرفة : التحسين هو حالة ذاتية توجب الميل إلى الشيء لذاته ، والتزيين حالة عرضية توجب الميل إلى الشيء ؛ لأن التزيين يزول والتحسين ثابت ، تقول : أعجبني حسن الجارية وأعجبتني زينتها ؛ فحسنها بإجمالها ، وزينتها جمال ثيابها وحليها.
قوله تعالى : (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ).
__________________
(١) بياض في المخطوطة.