بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة النساء
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ).
قال ابن مالك : لفظ أصله «أيّ» نائبة مناب الإضافة إليها ، وقال الأخفش : أي موصولة بمعنى الذي ، (النَّاسُ) خبر مبتدأ محذوف مضمر عائد على الموصول ، وهذه الآية تدل على أن المراد بالناس بني آدم.
ابن عرفة : والخلق هو الإنشاء على صورة مختلفة فمادة الخلق تشعر بالاختلاف ، قال الفخر : والآية حجة للقائلين بالطبعية ، فرده ابن عرفة بما قلنا : مع الاختلاف مع خلقهم في نفس واحدة ، قال تعالى : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) [سورة الروم : ٢٣] ، ومن إما للغاية أعني للابتداء ، أو الانتهاء إن قلنا : إن المراد بالخلق نفس الإخراج من الظلمات إلى النور والإيجاد عن عدم ، وأما لابتداء الغاية فقط ، إن قلنا : إن الخلق مخترع مطلق الاختراع ، والإنشاء مع إغفال تبدل الأغراض ، وإنها لا تبقى زمانين.
قوله تعالى : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً).
الكثرة مستفادة من لفظ (بَثَ) ومن قوله (كَثِيراً) ، فإن قلت : لم وصف الرجال بالكثرة دون النساء ، فالجواب من وجهين : بأن النساء في الوجود أكثر من الرجال ، فحذف النعت للعلم به مع دلالة الأول عليه ووصف الرجال بالكثرة فيؤذن بكثرة النساء من باب أحرى ، وإما بأن الآية خرجت مخرج الوعظ والتذكير بالنعمة والعرب من شأنهم حب كثرة الرجال والعصبة وكراهية كثرة النساء فذكروا بما يحبون ، فإن قلت : هلا قيل : وبث [٢٣ / ١١٣] منهما ذكورا وإناثا فيعم اللفظ الصغار والكبار من النوعين ، قلت : الآية في معرض التكليف بالتقوى فذكروا بالمكلفين من النوعين.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ).
قال ابن عرفة : ليس هذا تكرارا فالأمر الأول : بالتقوى معقب بالتذكير بنعمة الإخراج من العدم إلى الوجود ، والثاني : معقب بالتذكير بنعم متتابعة دائمة في مدة الحياة ، وهي نعمة قضاء الناس حوائج بعضهم بسبب سؤاله إياه بالله ففيه تعظيم لله عزوجل ، ومن هو بهذه المنزلة جدير بأن يتقى ، والرحم ذكر الفقهاء مراعاتها في الإنفاق وأما مراعاتها في حال الصحة والمؤاثرة والريادة فعندي أنه مفترق فيها مجيء ذي