ابن عرفة : ففيه إشكال لأن ابن عصفور نص على أنه إذا كان حذف شيء من الكلام يصيره دائر بين معنيين متناقضين لم يجز الحذف ، كقولك : رغبت زيدا فلا يدرى أرغبت عنه أم رغبت فيه ، وأجيب بأن المراد الإخبار عنهم بكونهم ضالين في أنفسهم سواء ضلوا غيره أو ضلوا في أنفسهم فقط.
قوله تعالى : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً).
من باب عندي درهم ونصفه ، فإن النسيء المحلل غير المحرم ، ومنه قول النابغة :
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ونصفه فقد |
وفي الآية إشكال لأنهم ذموا على التحليل والتحريم معا ، قدمهم على تحريم ما أحل الله حسن ، وذمهم على تحليل ما أحل الله قبيح ، الحمد لله وقع الكلام بين ابن عرفة والطبري رحمهماالله تعالى بمحضر جماعة من فضلاء الطلبة في مدرسة ابن اللباد هذا حسي ، وبمحضره على قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) قال ابن عرفة : لم قال : (وَاعْلَمُوا؟) ولو قال : فإن الله ليحصل المقصود ، فأجابه الخولاني بأنه تأكيد في الإخبار وتثبيت ، فقال ابن عرفة : خبر الصادق لا يحتاج إلى تأكيد ؛ لأنه مفعول بأول وهلة ، وإنما الجواب : أنه تنبيه للغافل استحضارا له منه ، ونقل عن الخولاني : أنه إنما الجواب بأن الدلائل على ذلك واضحة ؛ فكأنه قال : اعلموا بالدليل لا بالتقليد ولم يرضه.
ابن عرفة : وقال : إنما الجواب اعلموه دائما.
قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ).
كلمة (إِنَّمَا) لا يؤتى بها في كلام يستدعي الزيادة على المقصود فيؤتى بها للحصر ، ولو قيل : النسيء زيادة في الكفر ليحصل المقصود من الرد عليهم إذ لا يصف له أحد مع كونه زيادة في الكفر شيء آخر ، ولا يقول : إنه مع ذلك زيادة في غيره.
قوله تعالى : (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
قرأ حفص وحمزة والكسائي تضل ، وقرأ الحسن يضل على معنى يضل الله به الذين كفروا أتباعهم ، فالذين كفروا إما فاعل أو مفعول ، قال ابن عرفة : فيرد عليه إشكال وهو أن ابن عصفور ، وغيره ، قالوا : إذا كان حذف شيء من الكلام يصيره احتمال معنيين متناقضين فإنه لا يجوز الحذف لما فيه من الإخلال بالفائدة المقصودة