وفرق بين قولك : هذا افتراء على فلان ، أو هذا افتراء من غير فلان ، فمعنى الآية أنه افتراء على الله ، أي ليس المعنى أنه افتراء غير الله ؛ فإذا كان المعنى ما كان لأن يفتريه غير الله فمفهومه أن غير الله نقوله من غير افتراء ، وهذا ممكن ، وإنما المعنى ما كان لأن يفتري من غير أمر الله فمفهومه أنه يكون مفترى بأمر الله ، وهذا المفهوم غير موجود لاستلزامه التناقض ؛ لأنه من حيث كونه مفترى فهو لذنب على الله فكيف يكون بأمر الله ؛ فيكون كما قالوا في قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [سورة النور : ٣٣].
قوله تعالى : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ).
ابن عرفة : التفضيل إما راجع للكتب السابقة ؛ فيرجع التصديق إلى ما أخبر به من الأمور المستقبلة كأشراط الساعة وغيرها ، وإما أن يراد بالتفضيل أنه معجزة تتضمن الأحكام الاعتقادية فتوافق الكتب السالفة في أحكامها الاعتقادية لا الشرعية ؛ لأن الشرائع مختلفة وأحكام الاعتقاد متحدة.
قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ).
أي عند من أنصف ونظر النظر السديد فأدرك أنه لا ريب فيه.
قال أبو حيان : والاستدراك هنا في لكن على أصلها ؛ لأنها بين متناقضين.
ابن عرفة : فإن قلت : بل هي بين متماثلين ؛ لأنه إذا لم يكن مفترى فهو مصدق لما بين يديه ، فالجواب : أن الثناء باعتبار نفس الفعلين لا بين الجملتين ، كقولك : ما تحرك زيد لكن سكن.
قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
وفي البقرة (مِنْ مِثْلِهِ) [سورة البقرة : ٢٣] فالمثلية هنا راجعة للقرآن ، وهناك للشخص الآتي.
قال ابن عطية : السورة مأخوذة من سورة النبأ وهي في القرآن القطعة التي لها مبتدأ وبها ختم ابن عرفة ، وكذلك الكلمة ؛ والصواب : أنها القطعة التي لا يصدق اسمها إلا على جملتها ، ابن عرفة : والإعجاز في الكتب السالفة وقع بجملة كل كتاب منها ، والإعجاز في القرآن وقع بكل آية منه.
ابن عرفة : وذكر ابن عطية هنا أن الإعجاز وقع بالكلام القديم الأزلي وهو باطل ؛ لأن المعجزة من شروطها الحدوث ؛ فكيف يقول : وقع الإعجاز بالمعاني من الغيب