لما مضى ، ولما يستقبل ؛ لأنه معلوم أنهم لا يقدرون على ذلك ، وكذلك قال الشاطبي في قوله تعالى : (مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ومن يقل بعلوم الغيب ، قلت : وأثبته [.....] لأنه فرق بين تكليف ما لا يطاق وبين الإعجاز بتكليف ما لا يطاق ؛ فلم يعجزوا أصلا بالإتيان بمثل الكلام القديم الأزلي ؛ لأنه ليس في قدرتهم ذلك بوجه ؛ ولأن المعجزة من شرط الحدوث ، فلو علله بكون المعجزة من شرطها الحدوث لصح له ذلك.
فكلام الشاطبي مثل كلام ابن عطية هنا ؛ لأن الشاطبي فهم أن المراد فأتوا بكلام قديم أزلي من عند الله ، كما أتى القرآن من عنده فأبطله الشاطبي بأنه من تكليف ما لا يطاق.
قال ابن عرفة : وهو ضعيف ؛ [٣٩ / ١٩٣] لأن تكليف ما لا يطاق عادة عندنا جائز ، فكيف يبطله؟! فإنه من تكليف ما لا يطاق ، وفرق بين التكليف بالحال وبين إلزام الحال.
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
الزمخشري : بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن ، وفاجؤوه في بداهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا تأكيد أمره ، وذلك لفرط نفورهم مما يخالف دينهم وخروجهم عن دين آبائهم كالناشىء على التقلد من الحشوية.
قيل لابن عرفة : الحشوية هم الحنابلة ، والزمخشري حنفي.
ابن عرفة : الحشوية عندهم المخالفون لمذهبه ، وعندنا هم المجسمة القائلون بالجثة والمكان ، قلت : وفي تلبيس إبليس للجوزي الحشوية طائفة من المرجئة كوجوب النافلة كالفريضة ، وانظر ما قيدت في سورة النمل في قوله تعالى : (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) [سورة النمل : ٨٤] ابن عرفة : وتكذيب الإنسان بما لم يعلم أشد ؛ فنجا من تكذيبه بما علم ، قدمهم أولا على التكذيب بما علموا ثم اضرب عنه بكونهم كذبوا به قبل العلم به ، قال : وكان بعضهم يأخذ من الآية مطلبين أحدهما : أنه لا يجوز لأحد أن ينكر علما من العلوم فلا يكذب به من يعلمه.
الثاني : إذا بحث ذاك فلا يرد عليه حتى يكرر كلامه ليعلم منه أنه فهمه ، وحينئذ يقبل منه الجواب عنه ؛ لأن الرد عليه تكذيب له وإبطال.
قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي لم يعلموه من حيث ليكمله لرجل لم يقرأ علم الفلسفة ولكن يعلم خاصيته ؛ وهو أن من خصائصه نسبة التأثير لغير الله عزوجل