فيكذب به من أجل هذا ، وقيل إن معناه : ولم يطلعوا على عاقبه ، ومثاله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ابن عرفة : إن قلت : ما السر في جمع ضمير المستمعين وإفراد ضمير الناظر؟
فالجواب : أن الاستماع يقع من الجهات الأربع ، والنظر إنما يكون من جهة الأمام فقط ، فخلقت العجائب مع كلامه ، فيها كل من دار به لا ينظر إلى أفعاله إلا من هو قبالته ، فالسامعون لكلامه أكثر من الناظرين فنقله فكذلك جمعهم.
فإن قلت : لم أفرد السمع وجمع الأبصار مع أن متعلق السمع أكثر؟ فقال : لأن السمع مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه فلا يجمع ، والبصر اسم الخارجة التي يبصر بها فصح جمعه.
قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ).
قال ابن عرفة : هذا استفهام على سبيل الإنكار فهو في معنى النهي ، كقولك (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [سورة الروم : ٥] قال : ولو إنما تدخل على ما تستبعد وقوعه ، أو تستقرب ؛ كقولك : اكرم السائل ولو أتاك على فرس ؛ لأن إكرامه إذا أتى على فرس مستبعد ، ونفي إسماع غير العقلاء أظهروا بين مما نفي سماع الصم العقلاء ، فكيف أدخل عليه لو ؛ فإنما كان يقال : أفأنت تسمع من يعقل ولو كان أصم فيكون ظاهرا؟ وأجيب بوجهين :
الأول : أنه تنبيه على حرص النبي صلىاللهعليهوسلم على إسماعهم وإيمانهم.
الثاني : أن لو إنما دخلت في الكلام المثبت غير المنفي ، ودخل الاستفهام بعد ذلك على الجملة فهو نفي أخص لا نفي أعم ، فأصله أنت تسمع ولو كانوا لا يعقلون ، فدخل الاستفهام عليه فنفى الجملة ، كقولك : ما ضربت زيدا ضربا ، فنفيت الفعل المولد ؛ لأنك أكدت الفعل المنفي ، كقولك : أفأنت تقوم ولو كنت مقعدا ، أنكرت قيامه في هذه الحالة كما نفيت الضرب المولد ، وكذلك تقول : أفأنت تكرم زيدا وإن أساء إليك ، أنكرت إكرامه في هذه الحالة فأنكر هنا إسماع الصم في حالة عدم العقل.
قوله تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ).
انظر ما الفرق بين هذه ، وبين قوله في سورة القتال (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [سورة محمد : ٤] عطف الثاني هناك بإما وعطفه هنا بأو ، قال : وأجيب بأن إما للتفضيل ؛ فتدخل بين المتغايرين وإن لم يكونا متناقضين ، وأو لأخذ الشيئين أو الأشياء فتدخل بين النقيضين ، ولا شك أن المن والفداء يجتمعان