والماء فيها الجلال في إيضاح بيانه ، ابن عرفة. : وعادتهم يوردون فيها سؤالا وهو أن العادة المألوفة في الأراضي أن الإنسان يشتغل أولا بدفع الماء الوارد عليها قبل اشتغاله بزوال ما حصل فيها ، وجاءت الآية على العكس ، وأجيب بوجهين :
أحدهما : أن الماء كان يطلع من الأرض مثلما ينزل من السماء فهو أكثر لأن الأرض فيها ما فيها وما في السماء.
الثاني : أن المقصود حصول استقرار السفينة فكان الأهم البداء بالأرض التي تستقر فيها إذا بلغت ماءها ، قال : وكان بعضهم يقول أن في الآية اللف والنشر ، فقوله (وَغِيضَ الْماءُ) راجع لقوله (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي).
قوله تعالى : (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).
ابن عرفة : هذا السؤال بعد وقوع ما وقع إنما هو ليبين له فهم ما وقع عنده فيه وهم وإشكال ، وأورد الزمخشري هنا سؤالا ، قال : كيف عطف هذا بالفاء مع أن الجملة الثانية في معنى الأولى ؛ فالمناسب فيها الوصل لا الفصل؟ وأجاب بأن المعنى أراد النداء (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) فهو من عطف المسبب على السببية ولو أراد النداء نفسه ؛ لجاز بغير عطف كقوله (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [سورة مريم : ٣ : ٤] ابن عرفة : وكان بعضهم يقول في هذا بإن كان النفع بالنداء راجعا للمنادي فإنه لا يؤتى فيه بحرف العطف ولا بلفظ قال ، كقوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً) [سورة آل عمران : ٣٩] ، وإن كان النفع راجعا للمنادي ؛ فإن لم يكن فيه بعد وغرابة فإنه يؤتى فيه بقال دون حرف العطف ، كقوله (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) إذ لا غرابة في تضرع المخلوق للخالق ، وإن كان فيه بعد وغرابة فإنه يؤتى فيه بقال مع حرف العطف ، فهذه الآية إشعار بأن هناك مقدر ؛ أي ناداه وخشع له وأظهر الذلة والافتقار (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).
قوله تعالى : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي).
لي معنى مقدمتين ، أي وكل أهلي ناج بوعدك الحق الصدق فإنني ناج ، قال : وكان بعضهم يقول : في الآية حجة للمعتزلة القائلين بأن الأمر يستلزم الإرادة ؛ لأن قبلها (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) ففهم نوح عليهالسلام من أمره له بحمل أهله وعده له بسلامة من يحمله معه ، فدل ذلك على أن الأمر يستلزم الإرادة إذ لو لم يستلزمها لما قال نوح (وَعْدَكَ الْحَقُ) وأجيب بأنه إنما فهمه من القرائن