أورد الزمخشري هنا أن الجزاء متأخر عن الشرط مع أن التولي متقدم في الآية على التبليغ ، وأجاب بأن المراد : فإن تولوا فلا حرج لأني قد أبلغتكم ، قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بوجهين :
الأول : أن ذلك إنما هو في الأمر البسيط والتبليغ مركب فأول متقدم على التولي أو بعده ؛ فإن قلتم : إنه ينفي قبله فلا فائدة لنفيه بعده ، وإن قلتم : إنه مثبت قبل التولي خالفتم الإجماع إذ هو منفي عنه بالإجماع فلا يزال السؤال واردا.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
قال ابن عرفة : دخلت كل على جبار ، ولم يقل : اتبعوا كل أمر جبار عنيد ، هذا هو الصواب ؛ لأن المراد أنهم اتبعوه فيما فيه مخالفة للشرع فلم يتبعوا كل أمره.
قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).
ثم قال (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) عطف استغفروه بالفاء ، والتوبة بثم ؛ لأن الاستغفار طلب ودعاء ، والطلب لما يحتاج فيه الإنسان إلى تردد لا إلى تأمل ، والتوبة فعل ، والفعل لا يقدم عليه الإنسان إلا بعد تأمل وتدبر.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ).
ابن عرفة : إن قلت كان الأصل أن يقول : أرأيتم إن كنت على بينة من ربي فيستحيل رجوعي عنها لأن من فهم المقدمتين والنتيجة حصل له علم ضروري بمعلوم يستحيل زواله عقلا ، فالجواب أن الدليل البرهاني لا يجادل به العوام ؛ فأتاهم بما يفهمونه وهو الدليل الخطابي.
قوله تعالى : (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا).
أخذوا منها أن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، قال : لأنه قال لهم : اعبدوا الله ، فأجابوه بأنه نهاهم عن عبادة غيره إنكارا عليه ، وأجيب بأن النهي راجع لقوله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي).
هذا الخطاب على سبيل التلطف ؛ لأنه لو قال لهم : إنك على بينة من ربي لعائد وإن لم يرجعوا لقوله ، وخاطبهم بأالمقتضية للشك ؛ لأنهم خاطبوه أيضا مخاطبة الشاك من ثلاثة أوجه :