قوله تعالى : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ).
(أَنِ) نظرت إلى الجملة في نفسها وإنها جملية فهي بدل ؛ لأن القتل أشد من الخروج من [٢٤ / ١٢١] الديار ، وإن نظرت إلى جوابها فهي ترق ؛ لأن مفسدة العصيان بعدم امتثال الأمر بالخروج من الديار أشد من مفسدة العصيان بعدم امتثال الأمر بقتل النفس.
قال ابن عرفة : واوها للترديد لا للتفصيل ؛ لأن التي للتفصيل شرطها أن يتقدمها كلام مجمل تفصّله مثل : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [سورة البقرة : ١٣٥] فنسب القوم الجميع ثم فصله بأن بعضهم قالوا : (كُونُوا هُوداً) [سورة البقرة : ١٣٥] وهم اليهود والبعض وهم النصارى ، قالوا : كونوا نصارى ، وهنا كتب الجميع أحد الأمرين.
قوله تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
الضمير عائد على المذكور أي ما فعلوا المذكور ، وهو المكتوب ولا يصح عوده على أحد الشيئين ؛ لأنه إذا كان الثابت أحد الشيئين فلا يصح رفع ذلك الثبوت إلا بنفي الشيئين معا كما قالوا : إن الموجبة الجزئية تناقضها السالبة الكلية.
قوله تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
لا يصح إلا أن يكون (إِلَّا) بمعنى لا غير ؛ لأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به فهو مثل قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [سورة الأنبياء : ٢٢] فإن قلت : ما فائدته أيضا في قراءة رفع قليل ، وفي قراءة نصبه ، وما الفرق بينهما في القراءة بحث فيها أبو حيان وأطال ، والصواب أنها صفة لقوله (قَلِيلٌ) فيحتاج إليها في قراءة الرفع ، والمراد ما فعلوه إلا ناس قليلون موصوفون بكونهم منهم ، إلا أن يجاب : بأن الفعل يكون قليلا في ذاته ويكون قليلا باعتبار فاعليه ، فإما أن يكون الكل فعلوه لكن فعلا قليلا ، أو فعله البعض واستوفوه ونسب القلة إليه لقلة فاعليه ، قال أبو حيان : وقراءة النصب مخالفة لقراءة الرفع.
قال ابن عرفة : إن أراد أنها مخالفة فليس كذلك ؛ لأن معنى النصب أنهم فعلوه فعلا قليلا ، فهل المراد أنهم الكل فعلوه فعلا قليلا ، وأن القليل منهم فعلوه الفعل بالعلة لقلة فاعليه فترجع إلى قراءة الرفع بالمعنى وإن أريد بها مغايرة لها فمسلّم وفي [....].
قوله تعالى : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً).