لا قدرة له على الإيمان والكفر إلا بالله ويحتمل أن يكون وجه المناسبة بينهما أنه لما ذكر فعل المؤمنين وعقابهم وفعل الكافرين وعقابهم أخبر أن بسط الرزق على أكثر الكفار في الدنيا وقيضه على أكثر المؤمنين إنما هو بمشيئة الله تعالى وإرادته حسبما ورد في الحديث" لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضه ما سقي الكافر منها شربة ماء" ، ابن عبد السلام وهذا تتجارى فيه الناس وأوسعهم حالا أشد كفرا أو منعا ، وفي حديث الابتلاء" أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا" (١).
قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ).
أي وما اعتبار الحياة الدنيا في الآخرة ، وإلا فالآخرة ليست ظرفا للدنيا بوجه وهذا إشارة إلى محل من يعمل للدنيا وعمل من يعمل للآخرة فمن قطع نهاره في لذة وشهوة وقطع يوما آخر في طاعة إذا تذكرهما نجده يندم على يوم الشهوة لأنه انقضى [...] ولم يبق إلا الحساب عليه [...] يوم الطاعة لأنه مضت مشقته وبقي ثوابه مدخرا له ، وقوله : (مَتاعٌ) أي شيء يتمتع به منفصل زائد.
قوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ).
للتخصيص وفي مقدمة ابن باب : إنها مع الماضي للتوبيخ ولا يطرد له إلا في الطلب الجازم وأن كانت للاقتراح فللتخصيص كقول الفقير للغني لو لا أحسنت إلي لأنه على سبيل الندب.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ).
إن قلت : لم جاء فعل المشبه مضارعا والإنابة ماضيا والمناسب العكس لأن مشيئة الله قديمة وإنابة العبد حادثة ، وفي غافر : (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) [سورة غافر : ١٣] وفي سوى الله ينجي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ، فأجيب : بوجهين
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه حديث رقم : ٢٣٠١ ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٢٧١٢ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٤٢٧٦ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٣١٩٣ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٣٢٦٠ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ٨٨٢٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٢٣٦٢ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٢٤ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ٢٢٥ ، وأبو عوانة الإسفرائيني في مسنده حديث رقم : ٣٦٤٥ ، والبيهقي في دلائل النبوة حديث رقم : ٣١٣.