ابن عرفة : وكان الفقيه أبو سعيد الغبريني أخبرني أنه بحث مع النصارى في هذا وأنكر عليهم ، فأخذوا طرف الإحرام وطووه على ثلاثة ، ثم علوا فصار واحدا ، فكذلك قالوا : هؤلاء الثلاثة في واحد ، فإن قلت : لم قال (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) فمفهومه جواز قوله اثنان؟ فالجواب : أنه أوتي على سبيل دعواهم وهم ادعوا ثلاثة.
قوله تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ).
ابن عرفة : الاستدلال بهذه الآية على نفي الولد أبلغ من استدلاله على نفيه بقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [سورة الإخلاص : ١ ، ٢] ؛ لأن هذه تضمنت نفي وجود الولد ، ونفي القابلية أبلغ من نفي الوجود.
قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
تضمنت الآية ثلاثة أمور دينية :
أحدها : إثبات الوحدانية ، والثانية : نفي الولد ، والثالثة : إثبات الصفات ما تضمنه قوله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإنه يقتضي الحياة والقدرة والعلم والإرادة ، فاقتضت الآية أيضا إثبات الكلام فإن هذا من القرآن وهو كلام الله ، أما القدرة فخلقه السموات والأرض وتخصيص أحدهما بصفة دون الأخرى دليل على الإرادة وكون فاعلها عالما.
قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ).
قال ابن عطية : الاستنكاف هو التمنع من الشيء بأناقة واستحضار العلم والتنزه ، ومثاله : أن يضع طعاما لرجلين فيمتنعان من أكله ، أحدهما لكونه لم يقو على أكله أو هو صائم ، والآخر لكونه رأى مثل ذلك الطعام لا يليق به وأن أكله منه لا يليق في حقه ، وإنما يليق به ما هو أحسن منه وأسيغ ، فالاستنكاف أخص من الاستكبار والامتناع ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فيرد السؤال لما جاء هكذا ، ويجاب بأنه على وفق دعواهم إلا أن ابن عطية ذكر السبب في ذلك أنهم ادعوا رفع عيسى عن العبودية ، أي لن يستنكف عيسى أن يكون عبدا لله ، فقال : إنه لبس أن يكون عبدا لله ، قالوا : بلى فنزلت الآية ، قاله الزمخشري : فجعلوا فتنة العبودية له سببا له فأنكر عليهم ، وقيل له : إذا كان نبيكم على شرف منزلته وعلى قدره لا يأتي أن يكون عبد الله فكيف تقيمون أنتم ذلك عليه.
قوله تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ).