سورة العقود
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : الوفاء هو الزيادة على الأمر الواجب [٢٦ / ١٣١] ، وهو الإتيان بالمطلوب وزيادة ، والمراد هنا : الإتيان بالقدر الواجب فقط ، والأمر للوجوب فكيف صح التكليف بإيجاب الزيادة عما كان التزمه ، وأجيب : بأن ذلك فيما يتعدى بغي فيقال : وفى الكيل ووفى الوزن ، وأما حيث يتعدى بالياء فإنما يراد به الإتيان بما كان التزمه فقط ، فيقال : وفى بدينه ووفى بعهده ، قلت : أو يجاب بأن ذلك وفى المشدد فهو المقتضي للزيادة لأجل المبالغة ، وأما المخفف فهلا قال : ويدخل في هذا جميع العقود والطلاق إن كان معلقا مثل : إن دخلت الدار فأنت طالق ، والوعد ؛ لأنه من العقود ، وكذلك بيع الخيار.
قال الزمخشري : والعقد العهد الموثق فشبه بعقد الحبل ، ونحوه قول الحطيئة :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم |
|
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا |
والعناج : حبل يربط في أسفل الدلو ، والكرب : حبل يربط على العرفين وهما عودان مصلبان في فم الدلو.
قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ).
قيل لابن عرفة : نقل بعضهم عن سيدي الشيخ الفقيه الصالح أبي محمد عبد الله المرجاني كان يقول : هنا فعل الطاعات سبب في تحليل الطيبات ، كما أن المعاصي والمخالفات سبب في تحريم المحرمات ، قال تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [سورة النساء : ١٦٠] قالوا : فالعقود سبب في تحليل هذه الأشياء ، فقال ابن عرفة : إنما يصح هذا لو كان خيرا وليس كذلك ، بل هو أمر بالوفاء يحتمل الامتثال وعدمه ، وأكثر الناس عصاة لا يمتثلونه ، قلت : وذكرته لشيخنا أبي الحسن محمد بن أحمد المطرفي ، فقال : إنما سمعت أنا عن المرجاني أنه كان ما نصه قوله (أُحِلَّتْ لَكُمْ) بعد قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) تشديد وتشبيه على عدم المبالاة بالجاني في عقوبته على عدم الوفاء كأنه يقول : أما بهيمة الأنعام حلال لكم تسخرونها كيف شئتم وتعذبونها بالذبح والنحر متى شئتم من غير معصية منها لكم في أمر أو نهي ، ولا يسمون بقتلها جائرين ، وكل حكم فيها عدل ، فإن كان هذا وصفكم مع أملاككم التي ملكناها لكم فكيف وصفنا معكم ، وملكنا لهم بالاختراع لا بالتمليك ، و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإني لا أبالي بعقوبة من خان ولا بثواب من أوفى وأنتم لتمام ما