وقال ابن عرفة : الإيضاح إلى هذا ، وإنما الجواب أنه لا يلزم من التعاون على البر والتقوى بترك التعاون على الإثم والعدوان ، لأنا نجد بعض المرابطين يطيع في شيء ويعصي في شيء ، فقد يتعاونوا على البر والتقوى ، وعلى الإثم والعدوان.
قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ).
قال ابن عرفة : هذا إما خبر أو أنشاء ، فإن أريد الحكم بثبوت ذلك في الأزلي فهو خبر ، وإن أريد التكليف بتحريم ذلك فهو إنشاء ، وقدمت (الْمَيْتَةُ) إما لكونها كانت محرمة عندهم وكانوا يجتنبونها.
قوله تعالى : (وَالدَّمُ).
يتناول المسفوح (١) وغيره ، فيتعارض المفهوم والعموم ، وجعله ابن عرفة من تعارض المطلق والمقيد لكن الصحيح الأول ؛ لأنه لو كان كذلك لاتفق على جواز الدم غير المسفوح ، إذ لا خلاف في رد المطلق إلى المقيد وهو هنا مختلف فيه فيرجع إلى المسألة المختلف فيها وهي تعارض المفهوم ، فقلت : وقال ابن عرفة مرة أخرى : أن القاضي ابن ... (٢) جعله من تعارض الخاص والعام ؛ لأن الدم هنا عام وفي العام خاص ، ورده ابن عرفة ؛ لأنه من تعارض العموم والمفهوم ؛ لأن قوله (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [سورة الأنعام : ١٤٥] يدل بمفهوم الصفة على تحليل الدم غير المسفوح ، قلت : وأجاب شيخنا أبو العباس أحمد بن إدريس بأن محرما ، من قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) [سورة الأنعام : ١٤٥] نكرة في سياق النفي فهو عام ، فيدل على أن جميع الأشياء حلال أخرج منها الدم المسفوح وبقي غير المسفوح حلالا بالنص لا بالمفهوم لتعارض الخاص والعام ، وردد ابن عرفة بأن هذا أيضا من باب دلالة المفهوم ، وقد ذكر الأصوليون مفهوم الحصر ، وهو عندهم أقوى من مفهوم الصفة ، قال : وأيضا فينعكس الأمر في هذا ؛ لأن دعواكم لا أجد مقتضى تحليل كل فيبقى إلا ما استثني منه ، وقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) يقتضي تحريم مفهوم الدم فتكون هذه الآية أخص من آية الأنعام فيلزم تحريم الدم كله ، وهو خلاف مطلوبنا ومطلوبكم.
__________________
(١) هو المراق المصبوب. القاموس المحيط مادة : (س ف ح) ، ولسان العرب (س ف ح).
(٢) بياض في المخطوطة.