قوله تعالى : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قال ابن عرفة : شحمه محرم بالنص ؛ لأن مالكا قال فيمن حلف ألا يأكل الشحم فإن أكله حنث (١) وإن حلف لا يأكل الشحم فله أن يأكل الشحم ولا يحنث ، قال : وهل يدخل فيه خنزير الماء أو لا ، فقال مالك : أنتم تسمونه خنزيرا ، فقيل : كره التسمية ، وقيل : حرمه لأجل التسمية ، قال بعضهم : وسبب توقف مالك فيه تعارض عمومين :
أحدهما : قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) فلم استثنى خنزيرا أولا ، وقال هنا (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) فعم خنزير البر والبحر.
قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ).
قيل لابن عرفة : هذه البقر تذبح في الفتن بين الناس ، فقال : يجوز أكلها ، وكذلك ما يذبح للجار ، وأشار بعضهم إلى أن ابن رشد (٢) ذكره أظنه في الأسئلة ، قيل : فما يذبح في المباهاة والافتخار ويكثرون منه كما يفعل أبو الفرزدق ؛ لأن المؤرخين قالوا : إن غالبا أبا الفرزدق قد عاقر شحما (٣) من وسل الرياح فحضر الرياحي بعض إبله ، ثم رفع يده ، ولم يزل غالب الفرزدق ينحر إبله حتى أتى على آخرها ففضل بذلك على شحم ، والفرزدق يكثر الفخر بهذا.
قيل لابن عرفة : قد قال المؤرخون إن علي بن أبي طالب (٤) نهى عن الأكل من تلك الإبل.
قال ابن عرفة : ويؤكل ما يذبح ؛ لأنهم يقصدون ذبحه ، لو لم يقصدوه لاكتفوا بشق بطنه وخنقه.
__________________
(١) الحنث : هو الإثم والخلف في اليمين ، والميل من حق إلى باطل. القاموس المحيط مادة : (ح ن ث) ، لسان العرب (ح ن ث).
(٢) هو : الإمام العلامة شيخ المالكية قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي. سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٠١.
(٣) عاقر : أي فاخر في عقر الإبل. القاموس المحيط مادة : (ع ق ر) ، لسان العرب (ع ق ر).
(٤) هو : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ، أبو الحسن الهاشمي قاضي الأمة وفارس الإسلام ، كان ممن سبق إلى الإسلام لم يتلعثم وجاهد في الله حق جهاده ، ونهض بأعباء العلم والعمل وشهد له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالجنة. تذكرة الحفاظ ١ / ١٠ ، طبقات المحدثين ١ / ١٧.