قال ابن عرفة : وفي الآية حذف التقابل ؛ لأنه ذكر في قسم المؤمنين الحكم بثواب عملهم ، ولم يذكر ما به يقع الثواب ، وذكر في قسم الكافرين ما به يقع العذاب ، ولم يذكر الحكم بتعذيبهم فالتقدير : لهم مغفرة وأجر عظيم وهم أصحاب الجنة ، والتقدير في الثاني : لهم عذاب أليم وهم أصحاب الجحيم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ).
قدم هنا المجرور على المفعول به ، ثم قال (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) فقدم المفعول به على المجرور ، فالجواب أن الآية خرجت مخرج التسلية للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم والامتنان على المؤمنين بأن الله تعالى لم يخذلهم ولم يمكن عدوهم منهم ، وذكر فيها جملتان : أحدهما محكية عن الكفار وهي مثبتة ، فكان الأعم فيها تقديم الممنوع لا تقديم الممنوع منه.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
ابن عرفة : قالوا : وقعت قضية بني إسرائيل في القرآن مكررة مرتين وثلاثة ، لوجهين :
أحدهما : أنهم أهل كتاب فهم علماء وغيرهم بالنسبة إليهم عوام فكرر خطابهم ؛ لأن خطاب العلماء يدخل في ضمنه العوام ، قلت : واجتنابهم لأجل علمهم.
الثاني : إذا علم من خالفهم أنه يعلم صحة دعواه أوقع ذلك في نفسه انفعالا وتأثرا وتأسفا وحزنا بخلاف إذا لم يعلم منه ذلك وجهله وهؤلاء علماء وكتابهم أشمل على صحة رسالة محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومخالفتهم للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والنصارى كانوا ببلد بعيد عنه. توقع في نفسه حزنا وتأسفا ، فجاءت الآية تسلية له ، فإن قلت : هلا خوطب بها النصارى ؛ لأنهم أهل كتاب أيضا ، قلنا : اليهود أقرب لمحل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والنصارى كانوا ببلد بعيد عنه.
قوله تعالى : (مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
أضيف الميثاق هنا إلى من هو عليه ، وقال قبله (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ) فأضاف الميثاق إلى من هو له.