قال جار الله ـ رحمهالله ـ : فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ، ولا منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح.
قلت : المراد الحزن المخرج لصاحبه إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله ، ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح الملهي عن الشكر ، فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله مع الشكر فلا بأس بهما.
وفي عين المعاني : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكرا بإعطائه لا بطرا ، والحزن صبرا على قضائه لا ضجرا ، إنما يذم من الحزن الضجر والجزع ، ومن الفرح الأشر والبطر ولبزرجمهر (١) : الفائت لا يتلافى بالعبرة ، والآتي لا يستدام بالحبرة ، قيل :
لا تطل الحزن على فائت |
|
فقل ما يجدي عليك الحزن |
شتان محزون على ما مضى |
|
ومظهر حزنا بما لم يكن |
قال وعن قتيبة بن سعيد : دخلت على بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء مملوء من الإبل الميتة بحيث لا تحصى ، ورأيت شخصا على تل يغزل صوفا فسألته فقال : كانت باسمي فارتجعها من أعطاها ، وأنشأ يقول :
لا والذي أنا عبد من خلائقه |
|
والمرء في الدهر يصيب الرزء والمحن |
ما سرني أن إبلي في مباركها |
|
وما جرى من قضاء الله لم يكن |
قال في التهذيب : ومن كلام الصادق : يا ابن آدم ما لك تأسف على مفقود ، ولا يرد إليك ، ومالك تفرح بموجود ولا يترك في يديك.
__________________
(١) هكذا في الأصل ولم تستقم العبارة والصواب ما في تفسير القرطبي ج : ١٧ ص : ٢٥٨ وقيل لبزرجمهر أيها الحكيم ما لك لا تحزن على ما فات ولا تفرح بما هو آت قال لأن الفائت لا يتلافى بالعبرة والآتي لا يستدام بالحبرة.