٢٥ ـ فماذا تريدون بهلكة أنفسكم في رد علم الله ؟ فإن الله جل وعلا لم يشهدكم خلق أنفسكم ، وكيف يحيط جهلكم بعلمه ؟ وعلم الله ليس بمقصر عن شيء هو كائن ، ولا يسبق علمه في شيء فيقدر أحد على رده . ولو كنتم تنتقلون في كل ساعة من شيء إلى شيء هو كائن ، لكانت مواقعكم عنده . ولقد علمت الملائكة قبل خلق آدم ما هو كائن من العباد في الأرض ( من الفساد ) وسفك الدماء فيها ، وما كان لهم في الغيب من علم ، فكان في علم الله الفساد وسفك الدماء ، وما قالوه تخرصاً إلا بتعليم العليم الحكيم لهم فظن ذلك منهم ، وأنطقهم به .
٢٦ ـ فأنكرتم أن الله أزاغ قوماً قبل أن يزيغوا وأضل قوماً قبل أن يضلوا .
٢٧ ـ وهذا مما لا يشك فيه المؤمنون بالله : إن الله قد عرف قبل أن يخلق العباد مؤمنهم من كافرهم وبرهم من فاجرهم . وكيف يستطيع عبد هو عند الله مؤمن أن يكون كافراً أو هو عند الله كافر أن يكون مؤمناً ؟ والله يقول : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) (١) . فهو في الضلالة ليس بخارج منها أبداً إلا بإذن الله .
٢٨ ـ ثم آخرون « اتخذوا » من بعد الهدى ( عِجْلًا جَسَدًا ) (٢) فضلوا به فعفا عنهم لعلهم يشكرون ، فصاروا ( مِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (٣) وصاروا إلى ما سبق لهم . ثم ضلت ثمود بعد الهدى فلم يعف عنهم ولم يرحموا فصاروا في علمه إلى ( صَيْحَةً وَاحِدَةً ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) (٤) ، فنفذوا إلى ما سبق لهم لأن صالحاً رسولهم وأنّ الناقة ( فِتْنَةً لَّهُمْ ) (٥) وأنه مميتهم كفاراً ، فعقروها .
____________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٢٢ .
(٢) سورة الأعراف : الآية ١٤٨ .
(٣) سورة الأعراف : الآية ١٥٩ .
(٤) سورة يۤس : الآية ٢٩ .
(٥) سورة القمر : الآية ٢٧ .