لمجرد رواية السلف لها أو روايتها عن السلف ، بل نأخذ بها بعد التمحيص والتحقيق حسب الميزان المذكور .
فيقول : فمن التزم بمقتضى هذا الميزان فهو متبع كتاب الله متقيد بسنة رسول الله ، سواء أكان يعيش في عصر السلف أو جاء بعدهم ، ومن لم يلتزم بمقتضاه فهو متنكب عن كتاب الله ، تائه عن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإن كان من الرعيل الأول ، ولم يكن يفارق مجلس رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم ) (١) .
وبعد أن يسهب في شرح تفاصيل هذا المنهج يقول : ولم نعلم أن في أهل هذه القرون الغابرة كلها من قد استبدل بهذا المنهج الذي كان ولا يزال فيصل ما بين أهل الهداية والضلال ، التمذهب بمذهب يسمى السلفية بحيث يكون الانتماء إليه هو عنوان الدخول في ساحة أهل الهداية والرشاد . وعدم الانتماء إليه هو عنوان الجنوح إلى الزيغ والضلالة والابتداع .
ولقد أصغينا طويلاً ونقبنا كثيراً فلم نسمع بهذا المذهب في أي عصر من عصور الإسلام الغابرة ، ولم يأت من يحدثنا بأن المسلمين في عصر ما قد انقسموا إلى فئة تسمي نفسها السلفية وتحدد شخصيتها المذهبية هذه بآراء محددة تنادي بها ، وأخلاقية معينة تصطبغ بها ، وإلى فئة أخرى تسمى من وجهة نظر الأولى بدعية أو ضلالية أو خلفية أو نحو ذلك ، كل الذي سمعناه وعرفناه أن ميزان استقامة المسلمين على الحق أو جنوحهم عنه إنما مرده إلى اتباع المنهج المذكور .
وهكذا ، فقد مر التاريخ الإسلامي بقرونه الأربعة عشر دون أن نسمع عن أي من علماء وأئمة هذه القرون أن برهان استقامة المسلمين على الرشد يتمثل في انتسابهم إلى مذهب يسمى بالسلفية فإن هم لم ينتموا إليه ويصطبغوا بمميزاته وضوابطه ، فأولئك هم البدعيون الضالون .
____________________
(١) السلفية مرحلة زمنية : ص ٧٩ .