الخلق ملك الله تعالى ففيها رد على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعاله وبالتولد ، وأن صنعة النجارة متولدة عن فعل العبد ، وفعل العبد مخلوق للعبد.
قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ).
الضمير عائد على الأرض ، واستثنى بعضهم من هذه الأرواح بأنها باقية بقاء الله عزوجل ، وعجب الذنب لما ورد في الحديث : " إنه يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجب ذنبه" ، والذنب وهو قدر مغرس الإبرة ، ولهذا يقف بعض الفراعنة ، قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) ، ومنها ما يبقى ، فإن قلت : لم عبر بمن وهلا عبر بما فإنها أعم لوقوعها على ما لا يعقل ، فالجواب : أنهم ما خالفوا إلا في بقاء من يعقل ، لأن الفلاسفة يقولون : إن علم الإنسان لا يفنى ، وأنه لا يزال باقيا ، فإن قلت : لم عبر بالاسم في قوله تعالى : (فانٍ) ، وبالفعل في قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ، والعكس أولى ، فإن البقاء وصف ثابت ، والفناء متجدد ، فالجواب : أنهم لما خالفوا في الفناء أتى بلفظ الاسم المقتضي للثبوت ، والبقاء الثابت لا يحتاج إلى التغيير فيه بالاسم ، وفيه إشارة إلى تصحيح مذهب من يقول إن العرض ما يبقى زمنين ، وأنه في كل وقت ينعدم ، ويأتي غيره ، قال ابن عرفة : المراد البقاء العقلي الذاتي ، وهو من خواص القديم ، وأما البقاء الشرعي السمعي فيكون من الحوادث كنعيم الجنة ، وعذاب أهل النار ، فإنه دائم غير منقطع ، واعتزال الزمخشري في قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ، فقال : ومعناه الذي محله الموجودون عن التشبيه بخلقه ، وعن أفعالهم ، والذي يقال له : ما أجلك وما أكرمك ، أو من عنده الجلال والإكرام المخلصين من عباده ، قال ابن عرفة : ونحن نقول مسنده إلى الله تعالى قبحها وحسنها ، والجميع حسن عقلا ، ولذلك قوله في الصفات.
قوله تعالى : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).
فسره الزمخشري : بثلاثة أوجه :
الأولان : لأن فيه شبه الإضافة إلى الفاعل ، والأخير فيه شبه الإضافة إلى المفعول ، وعقبه بقوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، لأن التشبيه على استحضار بقاء الله تعالى واتصافه بالجلال والإكرام نعمة وتفضيلا ، قيل له : وكذلك الفناء لحديث : " الدنيا سجن المؤمن ، وراحة الكافر" ، فقال : لا يحتاج إلى هذا ومناسبتها مع آخر الآية يكفي ويكون في أول الآية وعظ وتخويف ، وفي آخرها نعمة وامتنان.
قوله تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ).