هذا الوعظ والتخويف كما يقول أحدنا لصاحبه سنترك [...] ، ونتفرغ إليك ، فهو داخل في باب الوعظ والتخويف ، والإمام قيل : لا يشغله شأن عن شأن قلبه ، إشارة إلى أنه لا يخفي عنه خافية ولا يعجزه شيء ، قيل لابن عرفة : فهو دليل على القاضي أبي بكر الباقلاني القائل : بأن بلغ مطلقا لا يبعث فقال : المشهور أنه يبعث ، فقال : المشهور أنه يبعث ، أو نقول : بأن [...] مخصوصة به وبمن ليس له ذنب ، قيل له : ما حكمه تعقبه بالآلاء ، أو النعمة فيه ، فقال : هذه غاية النعمة ، لأنك إذا زجرت مخاطبك عن فعل ، وخوفته بالعقاب عليه ، ثم قلت له : سنفرغ إليك بنفس الانتقام منك ، يكون أقمع وادعى إلى الانزجار عما هو بصدده.
قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا).
قال ابن عرفة : جعله ابن عطية نفوذا معنويا ذهنيا ، باستعمال الكفر في السماوات والأرض ليتوصل بذلك إن تحصيل المعلوم ، فتكون الآية إلى الأمر الدنيوي ، وجعله الزمخشري نفوذا حسيا باعتبار الهروب والسير والشيء فيها ، فيكون أمرا آخر ، وبإحالة إنذار من عذاب الآخرة ، قال ابن عرفة : ويكون جملة على الأمرين إن كان النفوذ للقدر المشترك بينهما ، فهو الذهاب الحسي والمعنوي ، ويصح هنا لأنه في سياق النفي ، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، لأن الآية في معنى نفي الاستطاعة عنهم ، وإن كان المراد بالنفوذ الأمر الأخص بكل وأجد من دينك تحسين ، فيكون لفظا مشتركا فيجيء فيه تعميم اللفظ المشترك ، لكنه في سياق النفي فهو أخف من الإثبات ، قال ابن عرفة : قيده بالاستطاعة ، ولم يقل إن قدرتم ، مع أن القدرة أعم لقوله صلىاللهعليهوسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ففاعل الشيء بمشقة قادر غير مستطيع ، فأما أن نفي الأخص أعم من نفي الأعم ، قيل له : يبقي القدرة مع مشقة ، فقال : يقول : أنهما متساويان ، والقدرة أخص.
قوله تعالى : (مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
قال : من لابتداء الغاية وانتهائها ، قيل : إن كان النفوذ الحسي فظاهر ، وإن أريد النفوذ المعنوي فلا مبدأ له ولا منتهى له ، لأن مبدأه من النظر في السماوات والأرض الحسية ، ومنتهاه الأمور المعنوية ، وهي من غير كرة ، فقال ابن عرفة : هي منفية من باب أحرى ، لأنهم إذا عجزوا بعدم القدرة عن النظر في الأمر الحسي فقط ، فهو شيء واحد ، فأحرى أن يعجزوا عن النظر الحسي والمعنوي (الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [سورة الإسراء : ٨٨] ، فقدم الأنس على الجن ،