الفاء للتعقيب ، وهذا احتراس ، فإن الأكل من الشيء القبيح لا يستقبح منه ما قل ، باعتبار العادة ، إذ قد يكون في الدنيا للتداوى والاستكثار من ذلك غير معهود ، فإن قلت : لم قال : البطون ، ولم يقل بطونكم؟ قلت : إشارة إلى أنهم لا يأكلون في بطونهم المعهودة ، بل في بطون أخر ، لحديث" يعظم خلق الكافر في جهنم" ، وجواب الفخر بحديث : " أن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معى واحد" (١) ، يرد بأن الحالة في هذه الدنيا والآخرة ، ويجاب أيضا : بجواب آخر ، وهو إشارة إلى أنهم لا يراعون أنها بطونهم ، فيتحفظون عليها من كثرة الأكل بل يرضونها ويحثونها ، ولا يتحفظون عليها ، ويتركون فيها فراغا للنفس ، حتى كان بطون غيرهم ، وفي سورة الصافات نظير هذه الآية وتقدم الكلام فيها.
قوله تعالى : (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ).
يحتمل أن يراد التصديق الأصلي ، أو المنطقي ، فالأصلي من أقسام الخبر ، لأنه هو الخبر المطابق ، والمنطقي هو الحكم على الماهية بنفي أو إثبات ، وهو ضد التصور ، فإن أريد تصديقهم بمقتضى هذا الخبر ، وهو نحن خلقناكم فهو الأصلي كما تصدق زيدا في قوله : قام عمرو فإن أريد اعتقادهم أن لا فاعل إلا الله فهو المنطقي ، وهو أمر عقلي ، والأول سمعي ، ولو لا للتخصيص ، وذكر ابن بابشاذ وفي مقدمته أنها مع العاصي للتوبيخ ، وجعلها ابن عطية : للتفريع والتقرير.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ).
قيل : المراد به آدم عليهالسلام ، لأنه خلق من تراب فالاستدلال به على جواز الإعادة أقوى بالاستدلال من خلقنا نحن من النطفة ، رد بأن خلق غير آدم عن عدم صرف فهو أقوى في الاستدلال مما خلق عن وجود.
قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ).
__________________
(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٣٨٤٣ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ١٧٣٦ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ٦٥٣٥ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٣٢٥٦ ، وإسحاق بن راهويه في مسنده حديث رقم : ١٧٥ ، والطبراني في المعجم الأوسط حديث رقم : ٤٠١٨ ، ١٨٤٤ ، ١٧٧٥ ، ٩٥٨٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٦١٥٥ ، ٨٠١٨ ، ١٤٨٩٦ ، ١٤٥٣١ ، ٢٦٥١٣.