سورة الحديد
قوله تعالى : (سَبَّحَ).
الزمخشري ، والطيبي : ورد التسبيح في القرآن بلفظ الماضي ، والمضارع والأمر المصدر ، وقال (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [سورة الأعلى : ١] ، (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [سورة الإسراء : ١] ، انتهى ، والتسبيح إما حقيقة وقع ما على أنواع ، لأنهم متنوعون إلى ملائكة وأنس وجن ، وإما مجازا ، وقرره بوجهين :
أحدهما : أن هذه الجمادات والأشجار إذا نظر إليها الناظر المعتبر ، وفكر في إبقائها وإحكامها يعتقد أن لها خالقا متصفا بصفات الكمال ، منزها عن النقائص ، فهي سبب في التسبيح ، ولا يصح أن تكون هي مسبحة حقيقة ، لئلا يلزم عليه أحد أمرين ، أفاد وقوع التسبيح من الجماد ، وإما قيام الحياة بالجماد ، وكلاهما باطل ، لأنه حالة التسبيح حي ليس جماد.
والثاني : أنها مسبحة بلسان الحال لافتقادها في كل زمان إلى الاستمداد بالعرض من الطعم ، واللون ، والرائحة ، وهذا هو الذي حكى المازري في الجوز في قضيته مع الشيخ أبي الحسن اللخمي ، لما قال المازري : إن الموجودات كلها تسبح فألزمه اللخمي أن الحصى يسبح ، وقال : نعم ، ويدخل تحت عموم قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، نفسها ولا رضون إلا الفلك الاعلى المحيط بها ، فإنه ليس مما فيها ، وعطف الأرض على السماوات تأسيس ، وقلنا : والسماء بسيطة لأنها ليست مما في السماوات ، وتأكيد إن قلنا : أنها كروية ، وتنوع التأكيد أن دخولها في السماوات لا تدركه كل الناس ، بل الأفراد منهم والعلماء ، وهل التسبيح معنوي بلسان الحال ، أو بلسان المقال؟ وكما تقرر أن الوجود على أربعة أقسام : وجود في الأعيان ، ووجود في الأذهان ، ووجود في اللسان ، ووجود في البنان ، فإن قلت : التسبيح إنما هو معنوي علمي ، ولو كان بلسان المقال للزم عليه قدم العالم ، لأن العالم ........ (١) قلت : هذا لا يصح ، لانا نقول : وإنه تعالى سبح نفسه بنفسه واللام في لله للعلة ، والمعلول هو الله يقديره سبح لله لأجل الله ، أي نزه ذاته لذاته ، وإن حمل التسبيح على لسان الحال ، فلا تخصيص ، وإن حمل على للسان المقال ، فيخصص بمن ينافي منه التسبيح ، ولهذا أسند التسبيح للمظروف دون الظرف ، في قوله تعالى : (ما فِي الْأَرْضِ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.