في الدار الآخرة ، وذلك أمر مغيب لا نعلمه إلا من الرسول ، فمن صدقه وآمن به ينال ذلك.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
لا يمانع فيما أراده.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ).
خصصهما بأشبه احتراس ، لأنه لما أخبر أن الجهاد لنصرة الله ورسوله نبه على أنه قوي بذاته غير محتاج للنصرة ، عزيز لا يمانع فيها إرادة قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) ، خصصهما بالذكر دون غيرهما ، لأن نوحا عليهالسلام أبو البشر بعد آدم عليهالسلام عموما ، فهو أب أو عم لغيره ، وإبراهيم له أب أخص ، فإن قلت : وإسماعيل أبوه ، قلت : اختص إبراهيم بالذكر لاتفاق الملل كلها ، وأهل كل ملة يؤمنون به ، وكذا تسمية الأب الصالح بخلاف إسماعيل ، ولأن شريعتنا موافقة لشريعة إبراهيم.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ).
قالوا : جعل بمعنى صير أو بمعنى خلق ، وهذا بين على مذهب المعتزلة ، وأما على مذهب أهل السنة فلا يصح كونها بمعنى خلق ، لأن الكتاب قديم ليس بمخلوق إلا أن يراد به الألفاظ المكتوبة ، فيصح لإلقاء حادثة ، وبها يقع الإعجاز ، لكن الأول أولى لما في هذا من الإبهام ، وأنت تعلم فيمن حلف بالقرآن.
قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ).
هذا يعم صالح المؤمنين ، وعصاتهم ، لأن القاضي مهتد بالإيمان ، فيصدق عليه وصف الهداية مقيدة ، وإذا صدق مقيدا صدق مطلقا ، وهذه تسلية للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، فإن آبائه الأنبياء قد جرى لهم مثل ما جرى له.
قوله تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنا).
الزمخشري ، وابن عطية : التقفية مجيء الشيء ، كأنه قفاه ، انتهى ، هذا إن كان ينقلانه لغة فسلم ، وإلا فيمكن أن تكون التقفية مجيء بعد الشيء من غير فاصل بينهما ، سواء جاء بقرب مجيئه ، أو بعد طول ، وهو المناسب للفظ ، ثم المقتضية للمهلة ، لكن يترجح ما قالوه بقوله تعالى : (عَلى آثارِهِمْ) ، وفيه دليل على أن أقل الجمع اثنان ، لأن الضمير في أثرهم عائد على نوح وإبراهيم ، فإن قلت : لعله عائد