من جهة الشرع فيتوقف على الكلام لقوله تعالى : (نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة النحل : ٤٠] ، فإنما اعتزل الزمخشري من جهة ناحية أنه يقول إن العبد يخلق أفعاله فلذلك قال : إلا بإرادته ، ولم يقل : إلا بقدرته.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا).
الخطاب للمؤمنين أو للمنافقين ، فإن قلت : قوله تعالى : (يَفْسَحِ) ، يدل على أن الخطاب للمؤمنين ، قلت : فهو وعد على تقدير امتثالهم ذلك ، ومن المنافقين من أسلم وحسن إسلامه ، وامتثل ذلك وفعله حقيقة ، فإن قلت : يبقى من يفسح في المجلس ظاهرا ، وهو في الباطن منافق ، قلت : لا يفعله إلا المؤمن حقيقة.
قوله تعالى : (فِي الْمَجالِسِ).
صرح بالمجرور في هذا ولم يصرح به في قوله (انْشُزُوا) ، والقول يتناول لسان الحال ، فيجب على من أمكنه التفسح من الجالسين ، أن يفسح للداخل عليه ، ولم يصرح بطلب ذلك ، لكل حال يقتضي طلبه.
قوله تعالى : (فَافْسَحُوا).
يؤخذ منه أن الأمر للفور ، لأن الفاء للتعقيب ، فإن قلت : جواب الشرط في الآية يقتضي أنه غير مطابق لفعل الشرط ، لكن يفعل يقتضي تكليف الفعل ، وفعل يقتضي الإتيان به من غير كلفة ، فالجواب من وجهين :
الأول : أن تعليق الثواب على الأعم أبلغ من تعليقه على الأخص ، لأنه إذا رتب الثوب على الفعل الذي لا كلفة فيه ، أفاد ترتيب الثواب على ما فيه كلفة من باب أحرى.
الثاني : أن تفسحوا يقتضي اتساعهم فيما بينهم ، فيكون الداخل طلبوا أن يتسعوا فيما بينهم ، ولم يطلب أن يوسعوا له فيكون الأمر اقتضى أنهم إذا طلب منهم الاتساع في ما بينهم فليستحضروا في توسعهم اتساعهم لغيرهم ، لأن [...] غير متعدد فصح وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أن التناجي مظنة لاجتماع في المجلس ، والازدحام فيناسب الأمر بالإفساح في المجلس.
قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا).
ابن العربي : الإيمان في الدنيا نظري ، لأن الدلائل الدالة عليه نظرية ، أن لو أظهرها الله تعالى الظهور البين لصارت ضرورية ، فكأن يكون الإيمان إيجابيا ضروريا ،