حذف الفاعل لبعضهم له استعمالا لذكره ولا يناسب هنا التحقيق ، لأنهم أحقر من ينسب إليهم ذلك.
قوله تعالى : (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً).
أي في عدم نصرتكم ، وإذا لم يطيعون في هدم نصرتهم ، فأحرى أن لا يطيعوا في قتالهم أبدا.
قوله تعالى : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ).
النصرة أخص من مقاتلتهم معهم ، فأفاد المقاتلة من باب أحرى.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ).
الشهادة أخص من المعلم ، لأن علم الإنسان شيئا يسمعه ويشهد عليه أقوى من علمه شيئا يسمعه ولا يشهد عليه ، فإن قلت : فيها رد على ابن قتيبة في أن عدم المطابقة في الخبر المستقبل خلف لا كذب لهؤلاء لو عدوهم بالنصرة في المستقبل ، فلم ينصروهم ، فالجواب : أن المراد بكذبهم عدم مطابقة قولهم لما يقع منهم في المستقبل ، فإن قلت : نحن جعلنا الحكم بكذبهم راجعا لمدلول لفظهم ، وأنتم جعلتوه للازم لفظهم ، فما قلناه أولى ، لأن اللفظ دال عليه بالمطابقة ، فالجواب : أنه إذا جعلتم الكذب راجعا للمدلول يلزمكم أن قوله (لَئِنْ أُخْرِجُوا) وما بعده تأكيد لأنه أفاد عين ما أفاد الأول ، وإن جعلتموه راجعا يلازم اللفظ ، كان جملة (لَئِنْ أُخْرِجُوا) تأسيسا والتأسيس أولى أن يقال : أنه لا يضرنا كونه تأكيدا ، وتكون مفسرة لمتعلق التكذيب ، بدليل إتيانها غير معطوفة لو كانت تأسيسية لعطفت بالواو التي تقتضي المغايرة (لَئِنْ أُخْرِجُوا) عبر بأن هذا محقق الوقوع ، لأنه رد على كلامهم بأن (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) الزمخشري : إن قلت : كيف (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) بعد الإخبار؟ لأنهم لا ينصرونهم وخبر الله تعالى حق لا شك فيه ، فصار وقوع النصرة محالا ، قلت : معناه (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على الفرض والتقدير كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [سورة الزمر : ٦٥] ، وأورد ابن عطية هنا سؤالا ، وأجاب عنه : بأن المراد ولئن حاولوا نصرتهم وعلى هذا لا يرد سؤال ، الزمخشري : لأن محاولة النصرة أمر ممكن ، وإنما المحال وقوع النصرة ، وفي الآية سؤال آخر ، وهو أن القاعدة أن جواب الشرط لا يصح أن يكون مناقضا للشرط ، فلا يقال : إن قام زيد لم يقم ، فإنه محال للزم اجتماع النقيضين ، وتولي الأدبار نقيض النصرة ، والجواب : أن الشرط يصح تركيب المحال عليه لا فرض المحال جائز ، كما