نفي العام في باب النفي يشعر بدخول الأخص ، لأنه يستعمل العام في النفي والآخر في الثبوت ، ويرد بأن المحكوم عليه إنما هو في الآية بصفة كونهم من أهل الجنة أو من أهل النار ، والصفة هنا معتبره أو يحتمل أن يعتبروا إذا كان لذلك بطل الأخذ من الآية ، إما باعتبارها أو باحتمال اعتبارها أو لقول المحكوم عليه إذا كان مفيدا بطل الأخذ من الآية بصفة ، فإنما يتناوله الحكم باعتبار تلك الصفة لزوما أو احتمالا فهؤلاء إنما انتفت عنهم التسوية من حيث كونهم أصحاب الجنة ، وكون الآخرين أصحاب النار ، والقصاص راجع للدنيا وهم في الدنيا لم يتعدوا تلك الصفة ، بدليل قول الفقهاء : فمن حلف بالطلاق أنه من أهل الجنة حنث ، لأنه لا يدري بماذا يختم له ، فإن قلت : إن الحكم لا يتناولهم من هذه الحيثية ، قلنا : يحتمل أن يتناولهم باعتبارها أو إذا احتمل ما احتمل سقط الاستدلال ، قيل : أخذ الشافعي رضي الله عنه من الآية أن كان من مجرد عدم المساواة لزم لا يقتل الكافر بالمسلم ، وإن كان بزيادة كون المساواة المنفية ملزومة لفضيلة المسلم ، وعدمها في الكافر فيقتل الأدنى بالأعلى لا العكس فيم من ذكر من الاستدلال ، الفخر : واحتج بها المعتزلة على أن العاصي لا يدخل الجنة ، لأن الآية دلت على أن أصحاب النار وأصحاب الجنة لا يستويان ، وهو غير جائز وجوابه معلوم ، انتهى ، يريد لو دخل العاصي الجنة لساوى المؤمن الكافر ، وما في الاشتراك في النار فدل على أن العاصي كافر لا مؤمن ، ويرد بأن العاصي حال حلوله في النار غير مساو للمؤمن ، وحال حلوله في الجنة مساو ، وقد ذكر المنطقيون المطلقة والدائمة والحقيقية ، أو تقول المراد أن مجموع أصحاب النار لا يساوي مجموع أصحاب الجنة ، ويقولون : إن العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال ، فإن قلت : لعل المراد نفي المساواة بين أصحاب النار فيما بينهم بدليل قراءة من قرأ ولا أصحاب الجنة ، فكرر لا ، وقد قال السهيلي : إذا قلت : ما قام إلا زيد ولا عمرو ، فالمراد نفي قيام كل واحد منهما مجتمعين ومفترقين بخلاف قولك : ما قام زيد وعمرو ، فالجواب : أن السياق هنا ينفي هذا ويعين الأول ، وقدم أصحاب النار ، لأن الآية وعظا وتذكير ، فإن قلت : لم قال : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) ولم يقل : أصحاب النار هم الخاسرون ، قلت : التصريح بفوز أصحاب الجنة يتضمن أمرين : جلب الملائم ، وهي الأعمال الصالحة التي هي سبب في الجنة ، ودفع المؤلم ، وهو عمل نقيض ، والتصريح بخسران أهل النار لا يتضمن الأول المؤلم الذي دخلوا به النار ، وما تضمن أمرين أوفى.
قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ).