جعله الزمخشري جبلا على مذهبه ، لأن التمثيل يكون في الأمور المستحيلة الوجود ، كالتشبيه بالصفاء والقول ، والتمثيل يكون في الأمور الجائزة الممكنة الوجود ، والزمخشري يشترط في الجمادات النية ، فيستحيل فيها الخشوع عنده ، ونحن لا نشترط ذلك بل نشترط العلم والحياة فيصح عندنا وقوع الخشوع من الجمادات ، خلق الله فيه العلم والحياة ، ويمكن على مذهبه أن يكون تخيلا بل هو من تعليق المحال على المحال ، مثل (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) [سورة الزخرف : ٨١] ، ويجاب عنه : بأن الآية في سياق الوعظ والتخويف ، ولا يقع ذلك إلا بالممكن لا بالمحال ، وهذا نحو جواب شمس الدين الجزري لما احتج الفخر على جواز الشيخ في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [سورة البقرة : ١٠٦] ، ورد عليه السراج الأرموي : بأن لزوم الشيء بالشيء لا يلزم منه وجوب وقوعه ولا إمكان وقوعه ، فأجاب عنه الجزري : بأن الآية خرجت مخرج التمدح ، والتمدح إنما يكون ممكن الوقوع ، السماكي : التمثيل تصوير لحقيقة الشيء حتى يتوهم أنه ذوا صورة تشاهد ، وأنه مما يظهر في العيان كقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الزمر : ٦٧] الآية ، وقوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [سورة يس : ٦٥] ، ولا يكاد يحمد منه بابا في علم الطب منه ، ولا أدق ولا أهون على تعاطي المتشابهات ، وهذا نحو من كلام الزمخشري ، وخلاف ما قال ابن أصبغ فإن قلت : الآية دليل على أن القرآن اسم جنس ، يصدق على الكثير والقليل ، لأن اسم الإشارة يقتضي الحضور ولم ينزل حينئذ إلا بعضه ، فالجواب : أن المراد ما نزل وما ينزل ، لكن يلزم عليه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، فيجاب : بأن الإشارة لجميعه لوجوده حينئذ وإنزاله إلى السماء الدنيا ، فإن قلت : الإشارة إليه إنما هي من حيث إنزاله الإنزال المحصل للخشوع ، وذلك في إنزاله للتكليف به ، قيل : لو أنزلنا على جبل هذا القرآن الموصوف بالإرسال إلى السماء الدنيا ، فإن قلت : في الآية رد على من عرف القرآن من الأصوليين ، بأنه ما بين دفتي المصحف ، لأنه يسمى قرآنا قبل وجود المصحف ، قلت : سمي قرآنا قبل ذلك ثم ثبت له هذه الخاصة بعد ذلك عندنا معرفا بها ، فإن قلت : في الآية حجة لمن ينفي الكفر عنادا لاقتضائها أن نفس نزول القرآن على تقدير كونه ذا فهم يحصل له الخشوع ، ذلك هو نفس الإيمان ففسر نزوله غير مخص به للإيمان ، فليس كل كفر عنادا ، قلت : فرق بين حصول الخشوع في القلب وبين النطق بالشهادتين باللسان ، فحصول العلم في القلب بنفس نزول الآيات ، والإيمان اللفظي بسببه تكليف الرسول وطلبه ذلك وأمره به ، فقد يمنع منه من حصل له العلم في القلب كأبي طالب.