محقق ، فإن قلت : وكذلك رؤية أجسامهم غير محققة ؛ لأنهم قد تغيبوا من العيون ، قلت : الغيبة قدر مشترك بين الرؤية وسماع الكلام ، فإذا غابوا لم يسمع كلامهم ويمتازوا الأجسام بتحقق الرؤية حال الحضور ، سواء تكلموا أو سكتوا.
قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
كان الفقيه القاضي أبو العباس ابن حيدرة رحمهالله يقول : أفاد ذكر مسنده ، أنها غير منتفع بها في شيء ، لأنها إذا كانت غير مسندة تكون سقفا أو عمدا أو غير ذلك مما فيه منفعة.
قوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
الصواب أن فيه تقديما وتأخيرا ، أي أنى يؤفكون قاتلهم الله ، لأن بعد الدعاء طلبهم بالمقاتلة لا يحسن التعجب من صرفهم ، لأن من صرفه الله فهو مصروف ، وأما قبل الدعاء فيحسن ذلك.
قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ).
الظاهر أنه حكاية معنى قوله لا لفظه ؛ لأنهم إنما قالوه في الخلاء ، ولم يقولوه في الملأ ، وهم في الخلاء لا يقولون إنه رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يقرون بذلك ، وفي الآية رد على من يقول المفهوم الغاية ، لأن قصدهم بالنهي عن الاتفاق ، التأييد لا إلى غاية إلا أن يقال من شرط مفهوم المخالفة ، أن لا يمكن حمل الكلام وتأويله إلا عليه ، وهنا يحتمل مفهوم الموافقة أو نقول بموجبه ، ولا تناول محل النزاع وهم ينفقون عليهم بعد الانفضاض ، لأنهم إذا علموا أنهم لا ينفقون عليهم حتى ينفضوا عنه ، فإنهم ينفضوا عنه إن كانوا على طرف من الإيمان.
قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا).
أتى به غير معطوف ، لأنه جواب عن سؤال مقدر ، وكأن قائلا قال : لم كانوا لا يفقهون ، فقال : لأنهم يقولون (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) فإن قلت : لم أتت مقالتهم أولا بأداة الحصر وهي [...] ، أو البناء على المضمر ، وأتت هنا بغير حصر مع أن الجميع خاص بهم لم يقله غيرهم ، فالجواب : أن هذا خبر مبتدأ مضمر ، أي هم يقولون لئن رجعنا ، وصح حذفه هنا لأن الخبر لا يصلح إلا له وكون الموصول يقتضي الحصر بين وقد ، قال مالك في الوصايا : إذا أوصى بعبده مرزوق لفلان ، ثم أوصى به لفلان ، فإنه يكون بينهما معا ، فإن قال : عبدي الذي أوصيت به لفلان ، أعطوه لفلان فهو للثاني ، ويعد رجوعا عن الأول وما ذلك إلا لاقتضاء الموصول في الحصر.