سورة التغابن
قوله تعالى : (يُسَبِّحُ).
عبر هنا وفي الجمعة عن التسبيح بالمستقبل ، وفي الحديد والحشر والصف بلفظ الماضي ، والجواب : أن الماضي حقيقة الانقطاع وعدم التزايد ، وعدم التغير والتجدد ، والمستقبل من شأنه الدوام والتجدد والتغير ، وهو قابل للتزايد والعزة وصف ثابت للموصوف ، لأنها من صفة ذاته لا تتعلق بالغير فالملك معروض الغير ، والزيادة والنقص لتعلقه بالغير ، تقول : ملك فلان أعظم من ملك فلان ، قال تعالى (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [سورة آل عمران : ٢٦] الآية ، فهو يتزايد بحسب متملكاته ، والتسبيح في آية الماضي يعقب بوصف العزة ، وفي آية المستقبل يعقب وصفه الملك ، فإن قلت : في آخر سورة الحشر (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة الحشر : ٢٤] ، قلت : تقدمها (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [سورة الحشر : ٢٢] ، إلى آخره ، عبر بالمضارع اعتبارا بما قبله ، فإن قلت : ذكر هنا متعلق التسبيح دون رغبة ، وقال في الأنبياء (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [سورة الأنبياء : ٢٠] ، فذكر وقته دون متعلقه ، فالجواب : أن المسبح هناك الملائكة ، وهم معصومون فمعلوم أنهم إنما يسبحون الله ، وإنما يتوهم ذهول الذهن عن دوام تسبيحهم وانقطاعه ، فذكر ما يتوهم جهله ، والغفلة عنه وعنا ..... (١) في أن العبد يخلق أفعاله وهل السميع إما في الحال ، فيكون عاما في كل شيء ، فهو مجازا أو بلسان المقال ، فيكون خاصا بالعاقل ، فيتعارض التخصيص والمجاز ، فإن قلت : كيف يصح المجاز مع أن الحقيقة موجودة في البعض ، والمسبح بلسان المقال ، قلت : يصح ألا ترى أن الفخر قال : في دلالة المطابقة والتضمن من حيث هو جزاؤه وكذا في الأدلة الالتزام ، فرآه من حيث هو في الدلالات الثلاثة ، فإن قلت : لم أعاد لفظ ما هنا دون الحديد؟ فالجواب : أنه لما ذكر السماوات والأرض هناك في أربعة مواضع لها وبمنزلة الشيء الواحد ، فاستغنى عن إعادة الموصول.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ).
فصل هذه الجملة عما قبلها لجريانها مجرى الدليل عليهما ، كأنه قيل : لما يسبحونه؟ فقال : لأنه خلقهم.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.