قيل : هو نهي عن الأخص ، فلا يستلزم النهي عن الأعم ، وفيه رد على من قال : إن كل إن كانت بعد نهي أو نفت عمت ، لأنها نزلت في شخص ، وذكر ابن الصفار في شرح سيبويه أن الشلوبين نقل عن ابن أبي العافية : أن كلا إذا كانت منصوبة لا تفيد العموم ، وإذا كانت مرفوعة تفيده في قوله :
قد أصبحت أم الخيار تدعي |
|
عليّ ذنبا كله لم أصنع |
وفيه [...] وتعقبه عليه الشلوبين ، وقال : لم هذا سيبويه بوجه ، قال ابن الصفار :
بل حكاه سيبويه في باب المنصوب انتهى ، والذي حكى الأصوليون أنها تفيد العموم مطلقا ، وهي هنا كلية فمن اتصف بإحدى هذه الصفات يكون منهيا عن طاعته ، فإن قلت : فما وقع منه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في صلح الحديبية من طاعتهم ، قلت : إنما ذلك موافقة ، الموافقة لا أنه طاعة كما هو موافق لهم في الإعراض بوجود الله تعالى أو يكون ذلك بوحي ، وقد وافقهم على أن [.....] بينهم ، فرده عليهم وعلى ذلك وقع صلح الحديبية.
قوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ).
إن قلت : يؤخذ منه ترجيح الفقر على الغناء ، لأن الغناء سبب طغيان هذا ، فالجواب : إن هذا إنما طغى بمجموع المال والبنين ، وقدم هنا وفي سورة الكهف المال على البنين بخلاف ما في آل عمران ، والجواب : أن مناط الشهوة في الأعم النساء ، ومناط الزينة في الغالب المال ، وأما البنون فمحبتهم أشد من محبة المال [٧٩ / ٣٩٥] ، لأن الإنسان يفدي ولده بماله كله ، وقدم هنا المال لأنه أقوى الأسباب في الطغيان ، قال السهيلي : [...] الاتصاف إلا إلى ما فهو أشرف منه وعكسه صاحب ، فتقول أبو هريرة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولا تقول محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم صاحب أبو هريرة ، قال تعالى (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) [سورة الأنبياء : ٨٧] ، وقال تعالى (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [سورة القلم : ٤٨] ، انتهى ، وانظر ما قال عياض في الشفاء : فإن صاحبكم وانظر قوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [سورة التكوير : ٢٢].
قوله تعالى : (عَلَى الْخُرْطُومِ).
إن قلت : لم عدل الإضافة فلم يقل على خرطومه قلت : لأن الإضافة فيها نوع استحقاق واختصاص ، فعدل عنها لسلب هذا المعنى حتى كأنه لا يستحق أن يحتمل له خرطوم ، لعدم المبالاة به ، فيصير الأنف منه أجنبيا عنه.