سورة نوح عليهالسلام
رسالة نوح مقصودة على قومه ، ومن قال بعمومها فهي للإنس فقط ، وأما الرسالة فخاصة بنبينا صلىاللهعليهوسلم ، والفرق بينهما أيضا أن رسالة نوح أتت لجميع أهل زمانه دون من بعدهم ، ونبينا صلىاللهعليهوسلم لا تزال شريعته ورسالته إلى يوم قيام الساعة ولابن المعين في أول شرح البخاري عن هذا الجزية آخر ، وكذا لابن أبي بجرة في أول ترجمة البخاري ، وأما آدم على نبينا وعليهالسلام فأرسل لذريته خاصة بعد نزوله من الجنة ، وإن تأكيد الإرسال وتنبيه على أنه أمر معهود وعادة مستمرة ، والإنذار أخص من الموعظة وأوقع الظاهر موقع المظهر ، والأصل أن أنذرهم ؛ لأنه حكاية للكلام الذي خوطبوا به وليس فيه مضمر ، وأدخل من لابتداء الغاية إشارة إلى تأكيد الوعظ والإنذار والمبادرة به في أول أزمنة القبلية ، وقال (يَأْتِيَهُمْ) ولم يقل : ينزل بهم إما إشارة إلى أنه يقصدهم وينزل بسببهم أو أنه يأتيهم من كل الجهات ، ويؤخذ من الآية ثبوت التعذيب قبل البعثة إذ المعنى : من قبل أن يأتيهم عذاب ، قيل : الإنذار العبارة هي النطق ، فكلمة التوحيد الإيمان بالرسول والطاعة اتباعه في الفرائض وأحكام الشريعة ، وقيل : إن العطف تأكيد.
قوله تعالى : (مِنْ ذُنُوبِكُمْ).
من يحتمل أن يكون للغاية أي للابتداء أو الانتهاء ، وقول ابن عطية : هي للتبعيض ، والمراد يغفر لكم من ذنوبكم وهو المهم الموبق الكبير ؛ لأنهم أبهم عليهم بأنه لو غفرت الكبائر لغفرت الصغائر ، فيلزم إما أن يغفر الكبائر فيغفر الصغائر من أجل ذلك ، أو يغفر الجميع من أصل فلا تكون للتبعيض ، وقيل : يغفر لهم ما مضى ؛ لأن التوبة تجب ما قبلها ويبقى ما يأتي فصدق التبعيض ، والمراد يغفر لكم.
قوله تعالى : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ).
ابن عطية : احتج بها المعتزلة في قولهم في المقتول : أن له أجلين وأنه مات قبل أجله ، انتهى تقرير حجتهم لو لم يكن أجل المقتول متعددا لما استقام نفي التأخير عنه ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، بيان الملازمة أن التقدم والتأخر أمر نسبي ، والأمور النسبية لا تعقل إلا بين ... (١) ، والجواب إما منع الملازمة وهو أن نقول الأصل متحد في علم الله ومتعدد في علمنا نحن ما سمعنا دعاء يصبح له أجل واحد عند الله تعالى لا
__________________
(١) كلمة غير واضحة في المخطوطة.