بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشورى
قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً).
ابن عرفة : كلام متعلق الخبر مستقبلا سمي وصية ، وإن كان حاليا سمي واجبا ، ولما كان دينا مستقبلا عن دين نوح وغيره من الأنبياء ، أطلق على الدين المؤيد إليهم به وصية ، وأطلق على الدين المنزل إلينا وحي لأنه حالي ليس بعده شيء ، ولما كان نوح غائبا عنا ، فقال تعالى (ما وَصَّى) بلفظ الغيبة ، ثم قال : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا) بلفظ التكلم لأنه خطاب للحاضر ، فغلب فيه خطاب الحاضر على الغائب فأدخل بعده فيه ، فقال تعالى (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ).
قوله تعالى : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ).
إن قلت : نفيت الحجة مع أنها ثابتة ، بقوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [سورة الأنعام : ١٤٩] قلت : معناه لا يحاجه.
فإن قلت : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) حصول المحاجة منهم ، فكيف نفيت عنهم؟ قلنا : المنفي عنهم إنما هي المفاعلة والمثبت إنما هو قوله : (يُحَاجُّونَ) ويفاعلون لا يقتضي المفاعلة من الجانبين لأنك إذا قلت : تضارب اقتضى الفاعل منهما ، وإذا قلت : يضارب لم يقتضي التفاعل بل حصول المعرفة البادئ عنهما واختار أن يفاعل يقتضي للمفاعلة ، ويلزم حصول التعب والغضب ، فأما في حق الكافر فصحيح ، وأما في حق المؤمن فيدل على أن النظر يحرم في علم الكلام وقد قال به جمع كبير ، وأيضا يلزم أن يكون الجمع في الضلال.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
لأنها إذا كانت داحضة عنده من حيث كونه رؤفا رحيما ، فأحرى أن تبطل من حيث كونه قادرا قاهرا منتقما.
قوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها).
ابن عرفة : قال بعض شراح سيبويه في باب الإحالة فرق بين الخبر المتهافت في نفسه ، وبين الخبر المتهافت مثال الأول : سأحل لك هذا الطعام أمس ، ومثال الثاني :