كيف يفهم ما ورد في حديث الشفاعة من أن الخلق يأتون إلى نوح عليهالسلام ليشفع فيهم فيذكر دعوته فيمتنع من الشفاعة مع أنه لم يدع إلا دعاء [...] فيه؟ فالجواب أن تلك الشفاعة عامة تشتمل الخلائق كلهم ، وفيهم قومه ، وقد كان دعا عليهم فكيف يشفع حينئذ فيهم.
قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ).
هذه ليست مغفرة الذنوب لأن الأنبياء معصمون من ذلك ، وإنما هو باعتبار تفاوت الدرجات كما ورد حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وبدأ بنفسه على سبيل الإقرار والاعتراف بأنهم أحوج الناس إلى ذلك ، وذكر المؤرخون أن آباءه كانوا مؤمنين إلى آدم ، والآية تدل على صحة ذلك ؛ لأن المغفرة إنما يدعى بها للمؤمن ، قال تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) [سورة التوبة : ١١٣] وما استثنوا من ذلك سوى إبراهيم ، الزمخشري : أبوه لمك وأمه شمخا بنت أنوش كانا مؤمنين ، انتهى الذي ذكر أبو عمر ابن عبد البر أن أباه لامك ، وذكر البكري أن آدم عليهالسلام عاش حتى رأى نوحا ولم يذكره غيره ، قال شيخنا : لما قرأنا هذا المحل في مجلس السلطان ابن الحسن المريني ، قال لبعض أولاده : يا ولدي الله الله أكثر من قراءة هذه السورة لاشتمالها على الدعاء ، وكان بعض الشيوخ يقول : إذا قرأها بهذا القصد فإنه يخرج الآية عن المعنى الذي سيقته ، فإن المراد بالوالد فيها والد نوح قطعا ، فإذا دعا القارئ ناديا والده خرجت عن معناها فلا يسوغ له هذا وإلزامه بعضهم أنه لا يصح دعاء من قرآن فإنه كذلك مهما دعا به نفسه فقد أخرج الآية عما أريد بها ، والصواب أن ذلك على قسمين : ففي الآيات العامة يجوز وإلا فلا.
__________________
ـ ٤١٨٢ ، ٢٠٢٧ ، ٦٢٩٩ ، ٥٤٩٤ ، ٥٠٨٣ ، وفي المعجم الكبير حديث رقم : ٨٣٣ ، ٨٣٢ ، ٨٢٨ ، ٦٨٤٨ ، ٨٢٤ ، ٨٢٦ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ١٠٦٣ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ١٨٥٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٦٩٩٨ ، ١٤٤٩٠ ، ١٠٠٢٠ ، ٨٨٨٦ ، ٧٥١٣ ، ٩١٠٠ ، ٧٩٧١ ، ٨٣٤٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١١٢٩٠ ، ١١٢٨٥ ، ١١٢٨٦ ، ١١٢٩٢ ، وفي السنن الصغير حديث رقم : ١٠٠٣ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٩٠٥ ، ٦٢٩١ ، ٦٢٠٤ ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية حديث رقم : ٢٩٩١ ، وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم : ٣١٤٣٥ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ٤٠٩٤.